معضلة المهاجرين المستمرة

00:47 صباحا
قراءة دقيقتين

تشهد مياه البحر الأبيض المتوسط اتساعاً لظاهرة المهاجرين غير النظاميين، فلا يمر يوم إلا ويتم فيه اعتراض قوارب تقل المئات من جنسيات مختلفة تنطلق من السواحل الجنوبية إلى الشمال، وغالباً ما تأتي أنباء صادمة عن غرق العشرات وفقدان آخرين دون أن يتم فتح تحقيقات جدية في هذه الكوارث التي ترقى إلى جرائم الإبادة، ذلك أن الضحايا أغلبهم من دول ضعيفة أو فاشلة، لا حول لهم ولا قوة، ولا بواكي لهم عندما يموتون حتف آمالهم البعيدة.

تكتفي المنظمات الإنسانية بنشر التقارير الإحصائية عن الضحايا أو ترصد الواقع المأساوي الذي يعيشه المهاجرون في سواحل الانطلاق. أما الحكومات، خاصة الأوروبية منها، فهمّها أن تحارب هذه الظاهرة وتحمي حدودها دون اكتراث بأن هذه الحالة الإنسانية تستحق مقاربة مختلفة تماماً عما يحصل، أقلها معالجة الأسباب التي تجعل هذه الظاهرة تتمدد وتزداد خطورة، ولا يتم ذلك إلا عبر نظرة شمولية تقوم على التعاون بين كل الأطراف التي ترى نفسها متضررة من تكدس المهاجرين سواء في دول الانطلاق أو الوصول.

خلال الأسابيع الماضية تلاحقت المواقف الأوروبية تعبيراً عن القلق الكبير من حشود المهاجرين في ساحل الشمال الإفريقي، وكانت تونس محط زيارات رسمية لوزراء ومسؤولين من إيطاليا وفرنسا وبريطانيا، وليس على جدول الأعمال إلا بند واحد تقريباً يتعلق بدعم الحكومة التونسية لتكون خط الدفاع الأول في مواجهة الموجات البشرية القادمة من دول العمق الإفريقي، ومن بلدان أخرى تعرف أزمات سياسية واجتماعية وانعداماً للأمن. ورغم تسجيل تونس بعض التجاوزات، فإن الشهادات من معسكرات تجمع المهاجرين في ليبيا تكشف عن فظاعات رهيبة تعرض لها هؤلاء البشر، وبعض ما حدث لا يمكن تصديقه لغرابته وقسوته، وهو ما يفاقم من حدة هذه المأساة ويجعل التصدي لها واجباً أخلاقياً وإنسانياً قبل أن يكون هدفاً سياسياً أو أمنياً تسعى إلى تحقيقه الدول والحكومات.

حل قضية المهاجرين، خصوصاً في البحر الأبيض المتوسط، يتطلب جهوداً متكافئة بين دول الشمال والجنوب، ويستدعي تدخلاً يتجاوز الآليات والأدوات التقليدية، فهذه الظاهرة ليست ملفاً أمنياً يمكن معالجته بنشر قوات بحرية ضاربة تتصدى للقوارب المتهالكة ومن فيها من بؤساء وجوعى وباحثين عن الأمان، وإنما بأن يتم بناء تصور دولي شامل يبدأ بمحاربة شبكات التهريب والجريمة المنظمة، ثم بمساعدة البلدان الفقيرة التي ضاقت بأبنائها لاعتبارات تاريخية واقتصادية وسياسية.

وفي ظل الأوضاع العالمية المضطربة والأزمات المتلاحقة، يبدو التداول في هذه الحلول بمثابة التنظير الذي لا يلامس الواقع، ولكن تلك هي الحقيقة التي يجب استيعابها. وطالما ظل هناك فقر وأزمات اجتماعية واختلال في منوالات التنمية بين الدول الغنية والفقيرة، سيظل مد المهاجرين العابر للحدود والبحار مستمراً، والدول الأوروبية، التي تتفنن في وضع السياسات المضادة للهجرة، لن تهنأ داخل حدودها.

وبالمقابل لن تعرف دول الجنوب الفقير الاستقرار وستعجز عن الوفاء بالتزاماتها لشعوبها. والنتيجة أن معضلة الهجرة ستستمر، وتكبر بكل ما تحمله من مآسٍ ومخاطر، ويقف الجميع إزاءها خاسرين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/44zf9rvv

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"