مراجعات 5 يونيو: أين المسؤولية السياسية؟

00:58 صباحا
قراءة 4 دقائق

عبدالله السناوي

على الرغم من مضي العقود على هزيمة 5 يونيو 1967 هناك من يطلب حتى الآن تكريسها في الوجدان العام كأنها قدر نهائي ومصير محتم عند طلب الحقوق الوطنية.

 مراجعة أسباب الهزيمة عمل ضروري لعدم تكرار أخطاء الماضي. هذه مسألة تختلف تماماً عن تكريسها عقدةً يجري إنتاجها دون توقف لمصادرة أي أمل في المستقبل.

 قبل الهزيمة العسكرية ب35 يوماً سجلت مجموعة أوراق محمد حسنين هيكل توصيف جمال عبدالناصر لأزمة الحكم، التي جعلت الهزيمة ممكنة على النحو الفادح الذي حدثت به:

«إن الأزمة لم تعد أزمة أشخاص، إنما هي أزمة نظام».«القوى الاجتماعية والأفكار التي أطلقتها الثورة أصبحت أكبر من النظام السياسي الذي أقامته». «إن النظام على النحو القائم الآن يترك مصير البلد لرجل واحد، وهذه مخاطرة بالمستقبل». «إنه لا بد أن تتسع عملية إعادة التنظيم لقوى معارضة، تكون لها صحفها لكي تستطيع أن تعرض أفكارها على الناس، ولكي تكون رقيباً على تصرفات الدولة».

 كانت تلك مصارحة بالأفكار والتصورات والمخاوف يوم 30 إبريل 1967 قبل أن تخيم الهزيمة العسكرية على مستقبل «يوليو»، حيث ضاق نظامها عن القوى الاجتماعية والأفكار التي أطلقتها.

 باليقين كانت هناك مؤامرات على ثورة «يوليو» لإجهاض مشروعها وإنهاء أدوارها، غير أنها ما كانت لتمر لولا الثغرات الداخلية في بنية «النظام المقفول الذي يُعلق مستقبل البلد على مجهول»- بتعبير عبدالناصر في مراجعات الهزيمة.

 كانت خطة العدوان تبحث عن ذريعة. بتقدير سياسي خاطئ وقعت مصر في الفخ المنصوب. هذه مسؤولية عبدالناصر وحده.

 تعددت الإشارات الموثوقة تحذر من عمل عسكري وشيك ضد مصر. الرئيس الفرنسي شارل ديغول أبلغ عبدالناصر عبر السفير المصري في باريس عبدالمنعم النجار أن المخابرات الفرنسية، حصلت على معلومات مؤكدة أنه سيحدث هجوم عسكري صباح ٥ يونيو راجياً استيعاب الضربة، ثم الرد عليها، حتى يستطيع دعم القاهرة باعتبار أنها تعرضت لعدوان.

 لم تأخذ القيادات العسكرية اللافتة حول المشير عبدالحكيم عامر، تحذيرات الرئيس على محمل الجد؛ بل جرى الاستهتار بما حذر منه: «هو يعني من أولياء الله الصالحين حتى يعرف موعد الحرب، وأنه الاثنين بالذات!».

 لم يكن عبدالناصر، على دراية حقيقية بما يجري داخل القوات المسلحة. باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة، كان يتوجب عليه ألاّ يترك الأمور داخلها تصل إلى هذا الحد المزري، أياً كانت أسبابه في تأجيل الحسم.

 هذه مسؤولية سياسية ثانية يتحملها وحده. عندما توفرت الذريعة بدت النتائج محتمة. كانت الذريعة، التي سوغت العدوان، إغلاق خليج العقبة أمام الملاحة البحرية الإسرائيلية. وقد اندفعت الأحداث على النحو التالي:

 حُشدت قوات عسكرية مصرية في سيناء تحسباً لأية ضربة متوقعة ضد سوريا.

شيء أقرب إلى التظاهرة العسكرية بلا نية حرب، أو استعداد مناسب، يظن أنها قد تدفع إسرائيل للامتناع عن استخدام القوة ضد سوريا، أو تهديد أمن حدودها. لم يكن التقدير صحيحاً. وهذه مسؤولية سياسية ثالثة.

 أغلق خليج العقبة «تمسكاً بحق السيادة ونزولاً على مقتضيات الحرب». وهذه مسؤولية سياسية رابعة لم يجرِ التحسب في لحظته لعواقبه وأخطاره.  «القرار يعني الحرب»- حسب محمد حسنين هيكل في كتابه «الانفجار».

تحركت قوات إسرائيلية من الشمال إلى الجنوب؛ حيث الجبهة المصرية، وبدا الوقوع في الفخ نهائياً والعدوان مؤكداً.

 كان الأداء العسكري في مركز القيادة مزرياً، والقائد العام عاجزاً عن الاضطلاع بمهامه، ولا كان أغلب القادة صالحين لتولي مهامهم.

 كان رأي جمال عبدالناصر أن النظام الذي يفشل في صيانة التراب الوطني لا يحق له البقاء.

 في لحظة الهزيمة استشعر أنه خذل شعبه وأمته وبدا مستعداً أن يتحمل المسؤولية كاملة، لا أسندها إلى غيره ولا بررها بأسباب خارجة عن إرادته.

 في البداية رفض استخدام مصطلح «النكسة» في خطاب تنحيه خشية أن يوحي بمحاولة للتنصل من مسؤولية هزيمة يعترف بها.

 شرح هيكل، الوحيد الذي كان بجواره في تلك اللحظات القاسية، وجهة نظره على النحو التالي: «إن استخدام كلمة الهزيمة في تلك اللحظة قد يعني التسليم بنتائجها السياسية، وأن الحرب أطول مدى من جولة خسرناها، وإنها سوف تؤثر بالسلب في قوات عسكرية ما زالت تُقاتل في سيناء، وتسعى إلى العودة سالمة إلى غرب القناة، كما تؤثر بالسلب في الأمة العربية كلها، وأنه من الأوفق أن يترك الرئيس الحكم والبلد في نكسة يمكن تجاوزها في مدى منظور من التسليم بهزيمة تلزم من بعده بنتائجها».

 بفحص التجربة الطويلة بعد 5 يونيو، فإنها كانت نكسة للعمل الوطني في مصر وانكساراً للمشروع القومي، لكن لم يجر التسليم بالهزيمة، وخاض البلد حرب استنزاف طويلة لمدة ثلاث سنوات كانت البروفة الحقيقية لعبور الجسور في أكتوبر بقوة السلاح.

 إذا كنا قد انتصرنا في أكتوبر، وهذه حقيقة عسكرية، فما معنى تكريس هزيمة يونيو في الوجدان العام حتى الآن. كان ذلك هدفاً مطلوباً بذاته حتى لا يرفع البلد رأسه مرة أخرى.

 وهذه مسؤولية سياسية تستدعي همة الخروج من أسوار الهزيمة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yfzf3x99

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"