إسرائيل وغزة.. ومعادلة الحكم

00:48 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. ناجي صادق شراب

العلاقات بين إسرائيل وغزة لا تحكمها نفس العلاقات التي تحكم الدول، حيث تختلف المحددات التي تحكم إسرائيل بالسلطة الفلسطينية، وهذه هي المفارقة الكبرى. كيف لغزة وهي جزء من السلطة الفلسطينية الكلية ألا تخضع لنفس المعايير؟

 من أبرز هذه المعايير أن العلاقات بين إسرائيل والسلطة تحكمها اتفاقات أوسلو والاتفاق الاقتصادي والتنسيق الأمني والمحددات الجيوسياسية، أما بالنسبة لغزة، ومن وجهة نظر حركة حماس المسيطرة على القطاع، فلا يحكمها اتفاق مكتوب، وإنما هدنة مؤقته تم خرقها في خمس حروب وأكثر من مواجهة عسكرية. حماس تتمسك بخيار المقاومة المسلحة، ولم تحدد هدفاً سياسياً قاطعاً في علاقاتها. وعلى الرغم من الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة، فلا يمكن القول إن كل الأبواب مغلقة بين الطرفين، فبحكم العديد من المحددات، هناك قنوات للاتصال بطرف ثالث، وإلا، كيف يمكن للأموال التي تقدمها قطر أن تدخل؟ وكيف يمكن للمعابر أن تعمل؟ وكيف بالنسبة لآلاف العمال أن يدخلوا إسرائيل للعمل؟ كل هذه القضايا تحتاج إلى آلية للحوار والتنسيق.

 وفي هذا السياق، توجد مفاهيم خاطئة تسود العلاقة، والحسابات تحكمها اعتبارات أمنية واقتصادية وسياسية. إذ أن إسرائيل تتفهم ماذا تعني غزة في سياساتها وخياراتها، هذه البقعة الجغرافية الصغيرة في مساحتها والتي لا تزيد على 340 كيلومتراً مربعاً، والكبيرة في أهميتها السياسية والاقتصادية والسكانية، والتي يسكنها اليوم أكثر من مليونين ونصف المليون نسمة قابلين للزيادة بشكل يفوق قدرات القطاع وقدرات حماس. وهذا العدد يفوق الخمسة ملايين نسمة من المنظور الاستهلاكي. وغزة منطقة مغلقة ومحصورة وتتحكم إسرائيل في كل منافذها البرية والبحرية والجوية، وتقع في قلب المنطقة الأمنية الأولى لإسرائيل. وما يزيد من أهمية غزة إسرائيلياً وإقليمياً وحتى دولياً أنها باتت تشكل قاعدة للمقاومة الفلسطينية.

 هذا المنظور يعطي غزة أهمية أكبر في الحسابات الإسرائيلية، ومن المنظور الأمني فإن إسرائيل وبكل المعايير لن تسمح لحركة حماس على سبيل المثال ومعها قوى المقاومة الأخرى أن تشكل تهديداً مباشراً.

 وكما هو معلوم فإن عقيدة الأمن الإسرائيلية تعمل على إبعاد أي تهديد عن قلبها. ولكن هذا المفهوم قد تغير كما رأينا في الحرب الأخيرة مع «حركة الجهاد»، حيث كانت قادرة على إطلاق صواريخها لتصل إلى تل أبيب ومشارف القدس. هذا السيناريو سيكون أكثر خطورة ورعباً مع حركة حماس التي تملك قدرات عسكرية أقوى وأكبر.

 هذه أحد المعايير التي قلبت معادلة من يحكم غزة، إسرائيل أم حماس. فالعلاقة لا تكون بالمنظور التقليدي، بمعنى أن إسرائيل قادرة على تدمير غزة، وبالمقابل فإن حماس قادرة على أن تنقل المعركة إلى قلب إسرائيل، لكن تبقى العلاقات محكومة بما يريده كل طرف، إسرائيل أهدافها سياسية، تعميق حالة الانقسام وتحويلها إلى حالة راسخة من الانفصال السياسي مع الضفة للحيلولة دون تحقيق حل الدولتين. وأمنياً بتطبيق معادلة الأمن مقابل الأمن. إسرائيل تريد حماس قوية لدرجة أن تكون قادرة معها على الحفاظ على أمن الحدود وقادرة على بسط سيطرتها وفرض قرارها على بقية فصائل المقاومة، كما رأينا من خلال الغرفة المشتركة، كآلية للتحكم في القرار. وإسرائيل لا تريد أن تعود لاحتلال غزة، ولا تريد للسلطة أن تعود لحكم غزة. بالمقابل حماس تريد أن تحافظ على حكمها في غزة، ورفع الحصار ولو جزئياً من خلال تفعيل الحوافز الاقتصادية بزيادة عدد العمال الفلسطينيين داخل إسرائيل نظراً لما له من مردود مالي وتخفيف من حدة الاحتقان الداخلي وتسهيل فتح المعابر، والحفاظ على سيناريو الوضع الراهن الذي يعفي الحركة من أية التزامات سياسية في الوقت الراهن. 

 ويبقى أن معيار الحكم هو الضابط في العلاقة بين إسرائيل وغزة، ما قد يدفع مستقبلاً لمقاربة التسوية السياسية الأقرب الآن لحماس، وبما يتوافق مع تطلعاتها لدور سياسي بديل، ويتوافق مع براغماتيتها ومرونتها، ورأينا ذلك في ضبط إيقاع الحرب الأخيرة، وعدم مشاركتها بشكل مباشر، تصديقاً لهذا التوجه.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdewpckt

عن الكاتب

أكاديمى وباحث فلسطيني في العلوم السياسية متحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ومتخصص في الشأن السياسى الفلسطيني والخليجي و"الإسرائيلي". وفي رصيده عدد من المؤلفات السياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"