أسباب فشل زيارة بلينكن للصين

00:56 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. محمد السعيد إدريس

في حديثه خلال مؤتمر صحفي يوم الجمعة الفائت، قبل مغادرته إلى بكين، في زيارة امتدت ليومين، حدد وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن أهداف هذه الزيارة، وهي: إنشاء آليات لإدارة الأزمات، وتعزيز مصالح الولايات المتحدة وحلفائها، والتحدث مباشرة عن المخاوف ذات الصلة، واستكشاف مجالات التعاون المحتمل. وأضاف إلى هذه الأهداف أنه سيثير أيضاً قضية المواطنين الأمريكيين المحتجزين في الصين بتهم تقول واشنطن إنها ذات دوافع سياسية.

 وعلى الرغم من أن الصين أعطت لبلينكن فرصاً متسعة للبحث، بلقاء كبار المسؤولين عن قرار السياسة الخارجية: وزير الخارجية تشين فانغ، وكبير الدبلوماسيين وانغ يي، ثم الرئيس الصيني نفسه شي جين بنغ، فإن المحصلة، وعلى نحو ما ورد على لسان الرئيس الأمريكي جو بايدن نفسه، كانت محدودة. فقد عبّر بايدن عن اعتقاده بأن العلاقات بين الولايات المتحدة والصين تمضي في «الطريق الصحيح». ورداً على سؤال من الصحفيين إن كان يشعر بإحراز تقدم قال «بلى»، لكن التقدم الذي تحقق كان محدوداً، ولا يتجاوز الآليات دون القضايا الخلافية الأساسية. فقد اتفق الطرفان، وفق تقارير المراقبين، على «تحقيق الاستقرار في تنافسهما المحتدم حتى لا يتحول إلى صراع»، لكنهما أخفقا في التوصل إلى أية انفراجة كبيرة.

 واضح أن هذا هو الهدف الحقيقي للزيارة الأولى من نوعها منذ خمس سنوات. وكان بلينكن قد ألغى زيارة له للصين في فبراير/ شباط الماضي، لكنها تأجلت بسبب تحليق ما سمَّته واشنطن ب «منطاد التجسس الصيني» الذي حلق على مدى أكثر من يومين في أجواء ولايات أمريكية قبل أن تسقطه طائرة بأوامر من الرئيس بايدن نفسه. وتكشف هذه الأجواء أن الولايات المتحدة، حريصة أكثر من الصين على ضبط تطورات التنافس مع الصين والحيلولة دون تحوله إلى «صراع» والحيلولة دون التورط في «حرب باردة جديدة» مع الصين، والسبب المباشر لذلك هو حرص واشنطن على عدم فتح جبهة صراع ثانية مع الصين، في الوقت الذي تتفاقم فيه جبهة الصراع مع روسيا، إضافة إلى حرص أمريكي شديد على عدم استفزاز الصين لدرجة تدفعها للتدخل في مسار الحرب الأوكرانية بتقديم مساعدات عسكرية لروسيا يكون في مقدورها تحقيق انقلاب بالتوازن العسكري في أوكرانيا الذي يخوضه الغرب بقيادته الأمريكية، وفقاً للتأكيدات الروسية.

 فالولايات المتحدة، تتابع عن كثب، تطور الشراكة الاستراتيجية الصينية – الروسية، وتدرك مدى خطورتها، وتسعى إلى إفشالها، أي تأمل عرقلة هذه الشراكة، خاصة في ظل معلومات تؤكد أن القمة الصينية – الروسية التي عقدت في مارس/آذار الماضي في موسكو كانت بطلب من الرئيس الصيني، وأنه قد تم في هذه القمة تأكيد أن العلاقة بين البلدين «وصلت إلى أعلى مستوى على الإطلاق». إذ قال الرئيس الصيني إن العلاقات الصينية – الروسية «تجاوزت كونها علاقات ثنائية، وهي ذات أهمية كبرى للنظام العالمي».

 وقبل أن يقوم بلينكن بزيارته للصين، كانت الأجواء بين واشنطن وبكين قد وصلت إلى أسوأ مراحلها، رغم كل ما يجري تمريره على لسان الرئيس جو بايدن من تعبيرات للتهدئة، مثل الحرص على أن تبقى العلاقات في إطار التنافس وليس في إطار الصراع، فالواقع الحقيقي يقول عكس ذلك. فالولايات المتحدة وعلى لسان وزير خارجيتها بلينكن نفسه أكدت أن «الصين هي البلد الوحيد الذي يسعى إلى إعادة تشكيل النظام الدولي، ولديه القدرة العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية والدبلوماسية على تحقيق ذلك». المعنى ذاته أكدته كل أجهزة الاستخبارات الأمريكية، على نحو ما ورد على لسان مديرة الاستخبارات الوطنية أفريل هاينز أمام مجلس الشيوخ الأمريكي بقولها «باختصار، يمثل الحزب الشيوعي الصيني التهديد الرئيسي والأكثر تداعيات على الأمن القومي للولايات المتحدة وللقيادة الأمريكية على مستوى العالم». ومنذ أسابيع وقع بلينكن (2023/5/19) اتفاقاً دفاعياً أمنياً شديد الأهمية مع بابوا غينيا الجديدة ضمن استراتيجية احتواء الصين والنيل من نفوذها في المحيط الهادئ.

 الولايات المتحدة تخوض صراعا قوياً ضد الصين للحيلولة دون سقوط النظام العالمي أحادي القطبية الذي تسيطر هي عليه، والصين تسعى لفرض نفسها كقوة عالمية مشاركة في نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب على انقاض النظام، لذلك كانت محصلة زيارة بليكن للصين محدودة، في إشارة مهمة إلى أن الصين تمضي في إصرارها على تغيير النظام العالمي، لذلك كان فشل زيارة بلينكن حتمياً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4yzk4pa7

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"