عادي
واشنطن تعتبرها حائط دفاع متقدماً.. والصين تراها كنز المستقبل

صراع في جزر المحيط الهادئ

00:09 صباحا
قراءة 7 دقائق
إحدى القواعد الأمريكية العسكرية الضخمة في جزيرة جوام

د. أيمن سمير

لا يقتصر التنافس بين الولايات المتحدة وحلفائها الآسيويين من جانب، والصين من جانب آخر على بحر الصين الشرقي، وحقوق السيادة في بحر الصين الجنوبي وجزيرة تايوان ومقاطعات هونج كونج والتبت وشينجيانج، بل يمتد التنافس إلى كل المحيط الهادئ الذي تبلغ مساحته نحو 170 مليون كلم، ويشكل ما يقرب من 29.5 % من مساحة الكرة الأرضية، وتأتي 14 دولة تغطي جزر المحيط الهادئ في قلب الصراع الأمريكي الصيني في الباسيفيك.

الصورة
1

وفي بداية هذا الشهر سجلت الولايات المتحدة هدفاً جديداً في هذا الصراع عندما كشف برلمان «بابوا- غينيا الجديدة»، أن رئيس الوزراء جيمس ماراب وقّع «اتفاقاً عسكرياً» مع الولايات المتحدة يسمح لواشنطن بنشر قوات وسفن في المطارات الرئيسية، وقاعدة لومبروم البحرية في جزيرة مانوس، بالإضافة إلى الوجود العسكري الأمريكي في ميناء العاصمة بور مورسبي مع منح واشنطن حق «الدخول الكامل» وبدون أي شروط إلى كل جزر «بابوا غينيا الجديدة»، التي يزيد عدد سكانها على مليون نسمة «بهدف» التخزين المسبق للمعدات والإمدادات والعتاد، وحق الاستخدام الحصري لبعض القواعد الأخرى.

جاء الاتفاق الأمريكي مع جزر«بابوا- غينيا الجديدة» رداً على الاتفاق الصيني مع جزر سليمان في مارس 2022، والذي يمنح الشرطة الصينية حق حماية الحي الصيني والصينيين في جزر سليمان التي تضم نحو 990 جزيرة بمساحة تصل إلى 28 ألف كلم، وتبعد 1600 كلم عن الحدود الأسترالية، ونحو 3000 كم عن جزيرة جوام الأمريكية، وسبق أن كان الصينيون هدفاً لعمليات عنف شهدتها هذه الجزر، كما يمنح الاتفاق بكين حق وصول السفن الصينية والحصول على التموين والدعم، كل ذلك بعد أن كانت جزر سليمان تعتمد على الشرطة والجيش الأسترالي، لتحقيق الاستقرار في الجزر التي تعاني صراعات عرقية

الصورة

ورغم نفي كل من حكومة جزر سليمان والصين، وجود أي صبغة عسكرية للاتفاق إلا أن رفض موانئ جزر سليمان التجاوب مع مطالب سفينة تابعة لخفر السواحل الأمريكية في أغسطس 2022، أي بعد الاتفاق مع الصين في« مارس 2022 »، جعل الولايات المتحدة وحلفائها في أستراليا ونيوزيلاند تقلق من زيادة النفوذ الصيني، فما هي أبعاد التنافس الصيني الغربي على جزر المحيط الهادئ ؟ وكيف ينظر سكان جزر 14 دولة في المحيط الهادئ لهذا التنافس؟

معادلة جديدة

كانت منطقة المحيط الهادئ خاصة في الجزء الغربي منه القريب من آسيا واستراليا، نفوذاً حصرياً للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين منذ عام 1942 عندما انتصر الجيش الأمريكي على الجيش الياباني في معركة « جودال قنال» ومنع الجيش الياباني من السيطرة على جنوب المحيط الهادئ، ومنذ ذلك التاريخ استقر النفوذ للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين على جزر المحيط الهادئ التي تقع غالبيتها حول خط الاستواء، ولا يزيد الناتج القومي فيها على 36 مليار دولار سنوياً، ولم يكسر النفوذ الغربي إلا «الاتفاقية الأمنية» بين الصين وجزر سليمان في مارس عام 2022 بعد أن أصبحت الصين الشريك التجاري لجزر سليمان، وتستورد منها نحو 60 % من صادرات جزر سليمان للعالم، لكن ما هي أهداف الصين والولايات المتحدة من التنافس على النفوذ في جزر المحيط الهادئ ؟

الصورة

خط دفاع متقدم

1- «خط دفاع متقدم» تنظر الولايات المتحدة لتلك الجزر على أنها «خط دفاع متقدم» عن أراضيها، فهذه الجزر تقع غالبيتها في الجزء الغربي من المحيط الهادئ، وهذا معناه أن كل موطئ قدم أمريكي في تلك الجزر يعزز من الأمن القومي الأمريكي، ولهذا زار وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن المنطقة مرتين، الأولى في فبراير 2022، والثانية في الشهر الماضي، كما استضاف البيت الأبيض أول قمة جمعت الولايات المتحدة وجزر المحيط الهادئ في 28 و29 سبتمبر 2022، وهو تعبير عن إعادة الاهتمام الأمريكي بهذه الجزر التي شعرت في عهد دونالد ترامب أن الولايات المتحدة لا تكترث لها، بل إن الولايات المتحدة باتت تنافس العروض الصينية حول البنية التحتية والاقتصاد الرقمي والأمن السيبراني والتغير المناخي، حيث يعد سكان هذه الجزر أكثر شعوب العالم قلقاً من التغيرات المناخية وارتفاع منسوب مياه البحر نتيجة لذوبان الجليد، ومن هذه الجهود توقيع واشنطن العديد من الاتفاقيات مع 12 دولة حضرت قمة البيت الأبيض حول أمن الطاقة، وفتح مزيد من السفارات الأمريكية في المنطقة منها سفارة في جزر سليمان، بالإضافة إلى إعادة افتتاح السفارات الأمريكية في جزر تونجا وكيريباتي، وإنشاء بعثة إقليمية جديدة للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في جزر فيجي، وإطلاق مبادرة «شركاء في المحيط الأزرق» الاقتصادية بمشاركة 13 دولة، فضلاً عن تعهد واشنطن بإنشاء صندوق مساعدات جديد بقيمة 810 ملايين دولار، وإعلان الولايات المتحدة عن أول وثيقة شراكة استراتيجية بين الولايات المتحدة وجزر المحيط الهادي، كما قامت واشنطن بتعيين مبعوث للمحيط الهادي لأول مرة

2- تخشى الولايات المتحدة أن يهدد النفوذ العسكري الصيني«المستجد» في جزر المحيط الهادئ، الجزر الأمريكية الكبيرة غرب الساحل الأمريكي الغربي وخاصة جزيرتي هاواي وجوام، ولهذا بدأت الولايات المتحدة تعزز وجودها العسكري في جزيرة جوام، وتغير استراتيجيتها في الجزيرة من«القتال فيها» إلى«القتال عنها»، وهنا تخشى واشنطن الصواريخ الصينية طويلة المدى، والتي يزيد مداها على 10 آلاف كلم، وهو ما يعني أن تلك الصواريخ تستطيع الوصول لولايات الساحل الغربي الأمريكي مثل ولاية كاليفورنيا، ولهذا يتركز الجهد الأمريكي الآن على كيفية اعتراض هذه الصواريخ قبل أن تصل جزيرتي جوام وولاية هاواي

الصورة

3- تنظر الولايات المتحدة بعين الريبة لزيادة الإنفاق العسكري الصيني خاصة ما يتعلق بالقنابل النووية، ففي آخر اجتماع لوزراء دفاع حلف شمال الاطلسي«الناتو» هذا الشهر، كان هناك قلق كبير مما تسميه الولايات المتحدة التوسع الصيني الكبير في مجال الأسلحة النووية، كما تنافس البحرية الصينية بقوة نظيرتها الأمريكية خاصة في مجال الغواصات حيث تملك الصين، كما أن نمو البحرية الصينية ينمو بطريقة لم تتوقعها الدول الغربية بعد أن أصبحت الصين تملك 78 غواصة، بينما تملك الولايات المتحدة فقط نحو 71 غواصة حربية

4- تخشى الولايات المتحدة أن يهدد النفوذ الصيني الجديد في جزر المحيط الهادئ «طرق التجارة » بين أستراليا ونيوزيلاند من ناحية ونصف الكرة الغربي من ناحية أخرى، ولهذا يستهدف تحالف «الأوكوس» العسكري والذي أسسته الولايات المتحدة في 15 سبتمبر 2021، ويضم بجانب الولايات المتحدة كلاً من أستراليا وبريطانيا، يستهدف النفوذ الصيني في منطقة الإندو باسيفيك، ونفس الهدف يتعلق بتحالف «الكواد الرباعي» الذي يضم اليابان والهند بجانب أستراليا والولايات المتحدة، ويعمل على تنسيق جهود كل هذه الدول ضد النفوذ الصيني.

5- وضعت الولايات المتحدة تصوراً استراتيجياً للحفاظ على مصالحها في جزر المحيط الهادئ، لأنها وفق تعبير البيت الأبيض في القمة الأمريكية مع «جزر المحيط الهادئ»، فإن الولايات المتحدة عازمة على النجاح الكامل في تلك المنطقة عبر«تعزيز الشراكة الإستراتيجية» مع تلك الدول، وتقول الاستراتيجية الأمريكية ان خطة واشنطن تعمل على أهداف مشتركة مع دول المحيط الهادئ حتى 2050، من خلال تعزيز الجهود الأمريكية في منتدى جزر المحيط الهادئ، والذي يضم أيضاً تعزيز شركاء آخرين هم أستراليا ونيوزيلاند واليابان وكوريا الجنوبية ودول بحر الصين الجنوبي.

كسر حلقة النار

على الجانب الآخر ترى الصين أن شعوب جزر المحيط الهادئ أقرب إليها من الولايات المتحدة، على سبيل المثال قطعت هونيارا عاصمة جزر سليمان علاقاتها الدبلوماسية مع تايوان، وأقامت علاقات دبلوماسية مع بكين، كما أن الصين تنتظر بفارغ الصبر عام 2024 عندما تنتهي بعض الاتفاقيات الأمنية بين الولايات المتحدة وبعض جزر المحيط الهادي لتحل محل الولايات المتحدة.

ثانياً: « كتلة تصويتية»، ترى الصين في دول جزر المحيط الهادئ « كتلة تصويتية» ضخمة تضم 14 دولة، تشكل أهمية خاصة للصين في المحافل الدولية والإقليمية.

ثالثاً: «عزل تايوان» تعتقد الصين أن بناء علاقات أمنية وسياسية بين دول جزر المحيط الهادئ والصين يعني «عزل تايوان» في محيطها الهادئ، بينما العكس يضر بالرؤية الصينية التي تريد استعادة الوحدة الترابية للصين بعودة تايوان إلى الأراضي الصينية، وبالفعل نجحت الصين عام 2019 في تغيير الاعتراف الدبلوماسي لكل من جزر سليمان وكيريباتي من تايوان إلى الصين، ولهذا قام وزير الخارجية الصيني السابق بجولة في جزر الباسيفك.

رابعاً: ترى الصين في الاتفاقية التي وقعتها في مارس 2022 مع جزر سليمان باعتبارها« نموذجاً» للاتفاقيات التي تنوي توقيعها مع 12 دولة أخرى من جزر الباسيفيك، وتعتمد الصين في هذا التوجه على مجموعة من المميزات منها دعمها الاقتصادي لتلك الدول، ومشاركتها مخاوفها الأمنية، وتنتظر الصين«جني الثمار» بعد كل تلك التحركات لكسر«نظرية ديكتاتورية الجغرافية» التي ترى فيها الصين أن واشنطن توظفها في فرض حصار أمني عليها، من القواعد العسكرية الأمريكية في اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا و9 قواعد تتواجد فيها القوات الأمريكية في الفلبين.

خامساً: تستثمر الصين في الاعتقاد السائد في المنطقة، بأن الولايات المتحدة ظلت تتجاهل جزر المحيط الهادئ هذه منذ عقود، وليس فقط في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وأن الاهتمام الأمريكي يظهر فقط عندما تقدم الصين عرضاً اقتصادياً أو أمنياً منافساً، وتقوم الحسابات الصينية على الاستثمار في «تراجع الثقة» بين واشنطن وجزر المحيط الهادئ، على أن يأتي بثمار كبيرة، والنموذج في ذلك الاتفاق الصيني مع جزر سليمان.

الرهان على التنافس

تعاني جزر المحيط الهادئ مشاكل كثيرة، فالدول التي كان يطلق عليها «أرض الذهب» في الماضي تعاني تداعيات التغيرات المناخية وضعف البنية التحتية، لهذا تحاول أن تستفيد من العروض التي تقدمها الولايات المتحدة وأستراليا ونيوزيلاندا والصين، وتقدم هذه الدول نفسها باعتبارها دولاً «محايدة»، وليست طرفاً في التنافس الجيوسياسي بين واشنطن وبكين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5n87x8ap

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"