العلاقات الهندية ــ الأمريكية.. مرحلة جديدة

00:12 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. ناصر زيدان

تواجه خطة تعزيز العلاقات بين الولايات المتحدة والهند، مجموعة من العوائق المرتفعة المنسوب. لكن يبدو أن هناك إرادة استراتيجية قوية ومُتجددة، تبحث عن وسائل تمكنها من القفز فوق المعوقات والولوج إلى مساحة جديدة من التعاون. 

 والدوافع إلى هذا القفز قد تكون أقوى من المعوقات، ذلك أن للبلدين حاجة مشتركة لتطوير العلاقات التي تفيد كل منهما على المستوى الاقتصادي، كما على المستويات السياسية والعسكرية، وقد تكون الخسارة المتوقعة من تعزيز العلاقات؛ أقل كلفة من البرودة المتبادلة التي غلبت على التعاون الثنائي بينهما في المرحلة السابقة.

 ما هي الأهداف الاستراتيجية للبلدين من وراء تعزيز العلاقات في هذه اللحظة السياسية المهمة؟ وما هي العوائق التي تواجه اندفاعة التعاون المنشود؟

 من الواضح أن الاهتمام الاستثنائي الذي لاقاه رئيس وزراء الهند ناريندار مودي في زيارته إلى واشنطن في 24-6-2023؛ يخفي توجهات أمريكية جديدة، فبالإضافة إلى حفاوة الاستقبال في البيت الأبيض وعلى مائدة العشاء الرئاسية، فقد أُتيح لمودي إلقاء كلمة أمام جلسة مشتركة لمجلسي النواب والشيوخ، وهو ما لا يحصل عادةً إلا لرئيس وزراء بريطانيا وقلة من كبار الضيوف الاستثنائيين، كما دُعيَ كبار مديري الشركات الأمريكية العملاقة إلى الاجتماع به، وبحثوا في ملفات تعاون جدية، لا سيما في مجالات تطوير إنتاج وسائل الذكاء الاصطناعي وفي صناعة تكنولوجيا استخراج الطاقة البديلة.

 وكان اللافت أن الجانبين بحثا التعاون في المجال العسكري، بما في ذلك إمكانية تزويد الجيش الهندي بالسلاح الأمريكي، بينما هو يعتمد بشكل شبه كامل على التسليح الروسي. ويبدو أن الطرفين اتفقا على إنتاج محركات لطائرات عسكرية في الهند، وتصنيع مشترك لتجهيزات تخصّ الصواريخ الذكية المتطورة. وهذا الاتفاق لا يمكن أن يحصل لولا القرار الكبير الذي اتخذته كل من الدولتين لتجاوز معوقات التعاون بينهما، لا سيما فيما يتعلق بالموقف الأمريكي المعارض للسياسة الهندية في إقليم كشمير وعلى طريقة تعامل السلطات الهندية مع الأقليات – لا سيما مع المسلمين – ولا بد أن الهند اتخذت قراراً بتجاوز التباينات مع الولايات المتحدة في المحيط الهندي وشرق آسيا، وهي على استعداد للعب دورٍ متقدم في المنطقة، والتعاون مع واشنطن بما يمكنها من اختراق بعض الحواجز.

 مما لا شك فيه؛ بأن الولايات المتحدة تحاول الاستفادة من الهند في سياق سياستها المناهضة للصين. وترى أن نيودلهي هي الوحيدة القادرة على تحقيق بعض التوازن مع الصين في مجالات مختلفة، خصوصاً بعد أن تجاوز عدد سكان الهند عدد سكان الصين، وبين البلدين الجارين خلافات حدودية كبيرة. ونمو الاقتصاد الهندي في السنتين الأخيرتين تجاوز النمو الصيني وبلغ 7,3 في المئة، ما يؤشر إلى إمكانية اقتراب الناتج المحلي الهندي من الناتج الصيني في السنوات القادمة، علماً أن الاقتصاد الهندي هو السابع حالياً على المستوى العالمي، بينما الاقتصاد الصيني هو الثاني بعد الولايات المتحدة الأمريكية، لكن نسبة نمو هذا الأخير بدأ يتباطأ منذ سنتين.

 إذا تمكنت واشنطن من استمالة نيودلهي إلى جانبها في الصراع الدولي؛ تكون قد حققت تقدماً استراتيجياً مهماً، لأنها حكماً ستتمكن عندها من خفض منسوب التعاون المُتقدم بين الهند وروسيا من جهة، وأن تخلق منافساً قوياً للصين في الأسواق الدولية. والولايات المتحدة ستستفيد من الحجم الكبير لليد العاملة الهندية، بعد أن تطورت خبرات العاملين الهنود في المجالات التقنية والصناعية المختلفة.

 أما العوائق التي تواجه تطوير التعاون بين الولايات المتحدة الأمريكية والهند، فهي بالدرجة الأولى موضوع الانتساب الهندي لمجموعة «بريكس» وهي تضم دولاً منافسة لمجموعة الدول الصناعية «السبع» التي تتزعمها واشنطن، وبدأت «بريكس» تُنافس جدياً الاقتصاد الغربي، وفاق حجم اقتصادها حجم اقتصاد مجموعة «السبع» خصوصاً بعد انضمام دول مهمة إلى صفوفها، إضافة إلى روسيا والصين. كما أن الهند تؤيد مقاربة التعددية القطبية التي تنادي بها مجموعة «بريكس» في مواجهة سياسة التفرُّد الأمريكي.

 ومن أبرز العوائق الأخرى التي تتعارض مع خطة تطوير التعاون بين الهند والولايات المتحدة؛ هي الموقف من الحرب الدائرة في أوكرانيا، لأن الهند تتمتع بعلاقات ممتازة مع روسيا، ولم تُجارِ السياسة الغربية المعادية لها وخصوصاً ما يتعلق بالعقوبات الاقتصادية، كما أن الهند تستفيد من التسهيلات الكبيرة التي تقدمها روسيا لها في مجال النفط والغاز، وتقوم شركات هندية ببيع الإنتاج الروسي في الأسواق الدولية.

رغم كل ذلك؛ يبدو أن قراراً استراتيجياً اتخذته واشنطن ونيودلهي للقفز فوق معوقات التعاون. والتعاون بينهما سيكون له أثر كبير، خصوصاً في منطقة شرق آسيا والمحيط الهادي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/h3are6zc

عن الكاتب

دكتوراه في العلوم السياسية والقانون الدولي العام.. أستاذ محاضر في الجامعة اللبنانية.. له 10 مؤلفات وعشرات الأبحاث والمقالات والدراسات في الشؤون الدولية..

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"