عادي
عدم الإساءة إلى المقدسات

حكمة فيلسوف تخطى المئة عام

15:21 مساء
قراءة 4 دقائق
إدغار موران

القاهرة: «الخليج»

منذ فترة احتفل الفيلسوف الفرنسي إدغار موران ببلوغه 102 عام، ولا يزال ينعم بحياة هادئة وذاكرة حديدية، ربما مردها إلى يقينه بأنه «لكي ينعم المرء بشيخوخة طيبة، عليه أن يحافظ على فضول الطفولة، وتطلعات الشباب، ومسؤوليات الكهولة، وأن يحاول خلال شيخوخته، استخلاص تجربة الأعمار السابقة».

يقول موران ربما كخلاصة لتجربة حياة مديدة: «لن أكف أبداً عن ملاحظة ما هو قاس وعنيد وعديم الرحمة في الإنسانية، ولا عن ملاحظة ما هو مفزع في الحياة، ولن أكف بالمثل عن ملاحظة ما هو نبيل وكريم وطيب في الإنسانية، وما تشتمل عليه الحياة من أمور فاتنة ومدهشة، واحترام كل شخص إنساني وعدم الإساءة إليه في ما هو مقدس بالنسبة إليه».

«موران» الذي يرى أن «النقد الذاتي وقاية نفسية جوهرية» كان قد أصدر كتابه «دروس قرن من الحياة» (ترجمه إلى العربية د. خليد كدري) قبل بضعة أشهر من احتفاله ببلوغ العام المئة يوم 8 يوليو 2021 ويضاف هذا الكتاب إلى أعماله، التي بلغت المئة أيضاً، وقد ترجم منها إلى العربية حوالي 28 كتاباً.

تتصدر الكتاب مقولة: «ليكن مفهوماً أنني لا أعطي هاهنا دروساً لأحد، وإنما أحاول أن أستخلص دروس تجربة حياة قرنية ودنيوية، راجياً أن تكون مفيدة لكل امرئ، لا في مساءلة نفسه عن حياته الخاصة فحسب، ولكن في العثور على طريقه الخاصة أيضاً».

  • هوية متعددة

تحت عنوان «الهوية واحدة ومتعددة» يتساءل موران: من أنا؟ ويأتي الجواب: أنا إنسان، هذا هو اسم ذاتي، لكنني أحمل صفات عديدة، تتفاوت أهميتها بحسب الظروف، أنا فرنسي، إيطالي وإسباني، جزئياً، متوسطي للغاية، أوروبي الثقافة، مواطن عالمي، ابن الأرض – الوطن، هل يسع المرء أن يكون كل هذا في الوقت نفسه؟ كلا إنما الأمر رهن بالظرف والأحايين، حيث تسود تارة هذه، وتارة تلك، من الهويات المذكورة.

يتحدث موران عن بعض كتبه ومنها كتابه الأول «السنة الصفر في تاريخ ألمانيا» والذي يتحدث فيه عن تجاربه خلال سنتي1945 و1946 في ألمانيا المدمرة والمضطربة وقد أثار حفيظة بعض علماء الجرمانيات، وبالمثل فإن كتابه «الإنسان والموت» الذي دشن فيه نمطاً معرفياً عابراً للمعارف، لم يخضع لأي نقد متخصص، ذلك لأنه لم يسبق لأحد، أن عالج المواقف الإنسانية المتناقضة، حيال الموت من منظور التاريخ والسوسيولوجيا وعلم النفس في آن، وكذلك كان شأن كتابه «أنثروبولوجيا السينما» الذي لم يثر اهتمام أحد، ثم كتابه عن نجوم الشاشة، وهي شخوص شبه أسطورية، لم يسبق أن استرعت اهتمام السوسيولوجيين.

في المقابل عندما شرع موران في تأليف سلسلة كتب «المنهج» كان عرضة لسوء التقدير، ووصف بأنه غير كفء، ومع ذلك لم يهاجم من هاجموه، يقول أيضاً: «تعرضت أيضاً بعد انفصالي عن الحزب الشيوعي للشتائم المعتادة» ويقول: «إن كل شخصية عمومية تستثير عداوات لا حصر لها، لكنها تحظى أيضاً بأصدقاء مجهولين».

يعود موران للإجابة عن السؤال: من أنا؟ قائلاً: «لست مجرد جزء ضئيل من مجتمع ولحظة فانية في الزمن الذي يمضي، إن المجتمع من حيث هو كل، بلغته وثقافته وعاداته، يوجد داخلي، وزمني الذي عشته في القرنين العشرين والحادي والعشرين، إنما يوجد داخلي، ونوع الإنسان، بالمثل يوجد بيولوجياً داخلي».

يقول: «أنا كل بالنسبة إلى ذاتي، وفي الوقت نفسه، لست شيئاً تقريباً بالنسبة إلى الكل، أنا إنسان واحد من جملة ثمانية مليارات إنسان، أنا فرد فريد وعادي، مختلف عن الآخرين، وشبيه بهم في آن معاً، أنا نتاج أحداث ولقاءات قليلة الاحتمال عشوائية مترددة مباغتة وغير مرتقبة، وفي الوقت نفسه أنا ذاتي فرد ملموس، مزود كآلة فائقة التعقيد، هي جسدي آلة غير تافهة قادرة على الاستجابة لكل ما هو غير مرتقب».

يشير موران إلى أنه لم يتلق من أبيه لا ثقافة ولا قناعة دينية كانت أو سياسية: «كنت أبحث بمفردي خلال الأزمات والعواصف والضوضاء والفوضى والهذيانات التي وسمت سنوات 1930 و1940 الموافقة لفترة يفاعتي، عن أجوبة تشبع فضولي إزاء الحياة والعالم والمجتمع والأحداث».

  • معرفة

كان يميل إلى التساؤل عن التاريخ والوضع الإنساني، لا من جراء ضغط الأحداث التي بدت عارية من كل عقلانية فحسب، ولكن تحت تأثير أحد الأصدقاء، ودقت طبول الحرب التي ولج فيها الجامعة، لقد سحقت كل آماله السياسية، لكنها حثته على الدراسة، لا من أجل الحصول على وظيفة، ولكن من أجل معرفة الحقائق الإنسانية، وقاده مساره نحو معرفة معقدة بما هو إنساني إلى المسألة القصوى التي لا يمكن تجنبها: ماذا تستطيع المعرفة الإنسانية أن تعرف عن الإنسان نفسه؟.

خلال بحثه عن الحقائق السياسية شعر موران بدوافع متناقضة تتوزعه، فقد بدت له الثورة ضرورية لكن خطيرة، وبدا له الإصلاح ضرورياً، لكنه غير كاف، لقد تحول إلى النزعة السلمية تحت تأثير شهادات الناجين من الحرب العالمية الأولى، وانضم إلى الباحثين عن طريق ثالثة من شأنها التغلب على الأزمة الاقتصادية وأزمة الديمقراطية، وقبل كل شيء تجنب الفاشية والستالينية.

يعترف موران بأخطائه ويواصل الحديث قائلاً: «كانت رؤيتي للأمور تحجب الظاهرة المركزية، أعني حركة التوسع الضخمة التي انبرت لها أمة تسعى إلى الهيمنة، وتستحوذ عليها الفكرة العنصرية، التي تجعل من العرق الآري هو المسيطر على أوروبا والمستعمر لها، ولا سيما الشعوب السلافية وهاهنا يكمن الخطأ».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yn9vhj43

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"