عادي

آين راند.. فيلسوفة الأنانية

15:02 مساء
قراءة 4 دقائق
آين راند

القاهرة: «الخلج»

أثارت الأزمة المالية العالمية في 2007- 2008 اهتماماً كبيرا بأعمال الفيلسوفة والروائية الأمريكية آين راند، حيث رأى البعض أنها كانت تنذر بالأزمة، ومع ذلك لا يحبها الفلاسفة، ويسخرون منها، قال أحدهم: «يجب ألا يتعرض أحد لأفكار هذه المتوحشة»، ويرى كثيرون أنها ليست فيلسوفة على الإطلاق، ولا تؤخذ على محمل الجد، في حين يرى آخرون أن شيطنة راند، من دون دحض أفكارها، مقاربة خاطئة.

راند متطرفة لدرجة أنها في كتاباتها تقوم بلوم الضحية: «إذا لم يكن لدى شخص ما مال أو قوة، فهذا نتيجة فشله وخياراته الخاطئة»، كما أن أفكارها تمثل خطورة من نوع ما، لأنها تجذب الأبرياء، فهي تعتمد على غطاء بلاغي، تقوم من خلاله بتسريب تحيزاتها إلى عقولهم. وكتاباتها مقنعة للضعفاء الذين يفتقرون إلى الحس النقدي، هكذا يرى كثيرون.ً

وهم يرون أيضا أن اختفاء أفكارها أو حجبها، ليس حلاً، فأحد كتبها من أكثر الكتب مبيعاً، بعد مضي ٧٥ عاماً على طباعته، وقد دافعت عن الحاجة إلى وجود الفلسفة؛ لأن الحضارة الغربية أفلست، بسبب فشل الفلاسفة في الدعوة إلى تشييد فلسفة العقل؛ فالفلسفة للعيش على الأرض؛ عيش الفرد من أجل ذاته، لا من أجل الآخرين، فكل كائن يعيش بطبيعة تحدد له الشروط الضرورية للحفاظ على بقائه، والناس بحاجة إلى منظومة أخلاقية؛ لأن محيطهم لا يمنحهم الأجوبة المباشرة عن حاجاتهم.

  • كانط السيئ

في هذا ترد على كانط الذي ارتكز جهده – بحسبها - على وضع أخلاقية قوضت النهضة الحديثة، ودمرت أسس الذاتية العقلانية؛ لأن الفرد - وفق الواجب عند كانط - يمكن أن يكون شريراً أو خيّراً؛ فهذا «الفيلسوف الكسول» (كما نعتته) دمر النزعة الفردية، التي هي قوام الحياة وأساس البقاء، معتبرة إياه «أكبر شخص سيئ في تاريخ الفلسفة».

وروجت راند للأنانية التي وصفتها بالفلسفة «الموضوعية»، كما كتبت في إحدى رواياتها، أن فلسفتها تعكس «مفهوم الإنسان ككيان بطولي، حيث تكون سعادته الخاصة هي الهدف الأخلاقي لحياته، والإنجاز الإنتاجي هو أنبل أفعاله، ويكون العقل المبدأ المطلق الوحيد لديه»، ومع تبنيها للسعادة والعمل الجاد والفردية كمثل عليا، لفتت انتباه الأمريكيين.

وتأييد راند للأنانية كعقيدة، وقسوتها تجاه المستضعفين، يجدان صداهما في السياسة المعاصرة، وليس مبالغة أن نقول إن فلسفتها شجعت بعض السياسيين على تجاهل معاناة الفقراء والضعفاء ولومهم على حالتهم، فراند تنادي بالاكتفاء الذاتي، وتهاجم قيماً مثل الإيثار، وتشيطن الموظفين العموم والتدخلات الحكومية، لتنظيم أمور الحياة، لأنها تعوق الحرية الفردية، ومع ذلك فهي تتجاهل حقيقة أن العديد من القوانين واللوائح الحكومية تعزز الحرية والازدهار.

وتسأل في أحد كتبها: «ما الالتزام الأخلاقي الذي أدين به إلى إخواني في الإنسانية؟ الجواب هو لا شيء.

فلسفة راند تتلخص في أننا نعيش في عالم يتمتع بموارد وممتلكات غير محدودة، يمكن عزلها عن الآخرين، وتتجاهل حقيقة أننا نتشارك الأرض مع هؤلاء الآخرين، حيث نتنفس الهواء نفسه، ونشرب من مصادر المياه المشتركة نفسها.

بعض الفلاسفة اقترحوا نسخة معدلة من أيديولوجية راند بشكل يضيف دوراً للدولة لحماية الناس وممتلكاتهم من الأذى والعنف والاحتيال والسرقة، لكن بالنسبة إلى راند، كما كتبت في كتابها «فضيلة الأنانية»، كانت ترفض أي دور للحكومة في حياة البشر، والغريب هنا أن راند لم تكن تعيش وفقاً لفلسفتها الخاصة، فقد كانت تتلقى أموالاً من الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية، وفي مقال بعنوان «مسألة المنح الدراسية» حاولت تبرير قبولها للمنافع الحكومية كتعويض جزئي عن الضرائب التي يدفعها المرء، أو التي سوف يدفعها في المستقبل.

  • شعبية

بعد ثلاث سنوات من وفاتها في عام ١٩٨٢، تم تأسيس معهد آين راند في كاليفورنيا، وبيع أكثر من ٣٠ مليون نسخة من كتبها حول العالم، وبحلول أوائل عام ٢٠١٨، كان المعهد يخطط لتقديم أربعة ملايين نسخة من رواياتها إلى مدارس أمريكا، كما تبرع المعهد للجامعات لتعليم مواد ذات «اهتمام إيجابي بفلسفتها».. وكانت كتب راند تزداد شعبية مع مرور الوقت، ويتم تصنيفها من قبل أمازون في نفس مرتبة شكسبير وسالينجر.

آين راند كاتبة روائية وسيناريست، اسمها الأصلي أليسا زينوفيفنا روزنباوم، وقد اهتمت بالتقاليد الفلسفية، واشتهرت في عالم الأدب والسينما، على الرغم من كتاباتها الفلسفية الكثيرة، وقد ولدت في سانت بطرسبرغ، في روسيا في ٢ فبراير/ شباط ١٩٠٥ لعائلة تنتمي إلى الطبقة الوسطى، وكانت تكره ثورة أكتوبر ١٩١٧، وأعلنت عداءها للثوريين؛ إذ صادروا صيدلية والدها؛ ما أجبرها على الرحيل إلى أوكرانيا.

بعد عودتها إلى روسيا سنة ١٩٢٤، تغير مسارها، لتلتحق بمعهد الفنون السينمائية، وتقدم بحثا بعنوان «هوليوود: مدينة الأفلام الأمريكية»، مستلهمة روح المجتمع الأمريكي، وكانت تقيم في روسيا آنذاك، وفي سنة ١٩٢٦، حصلت على تأشيرة لزيارة أمريكا، حيث استقرت هناك إلى يوم وفاتها، في ٦ مارس/ آذار ١٩٨٢ بعد صراع مع سرطان الرئة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4xercdd4

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"