الدوران في حلقة الخلافات العبثية

00:18 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. علي محمد فخرو
أرسل لي منذ بضعة أيام صديق فلسطيني عزيز خبراً صحفياً متداولاً في الأوساط الفلسطينية والأوساط الإسرائيلية عن تجميد لجنة مختصة بفضح ممارسات الاحتلال بحق الفلسطينيين وأراضيهم وحقوقهم لعرضها أمام المجتمع الدولي. وحسب الخبر الذي نشر على صفحة «رأي اليوم»، وكشفته أيضاً القناة «12» الإسرائيلية، تسببت تلك الخطوة في انقسامات حادة بين صفوف الفلسطينيين، لما للخطوة من آثار سلبية في محاولة ملاحقة الجرائم الإنسانية ومرتكبيها في فلسطين أمام المحاكم والمؤسسات الدولية.

اتصلت بصديقي وقلت له «هون عليك، فبعد بضعة أيام سيجتمع قادة الفصائل والسلطة في منطقة العلمين المصرية وسيتفقوا على طريقة مشتركة لمواجهة فواجع اتفاقية أوسلو ومضاعفاتها الأحادية الكارثية. وستكون عيون شعب فلسطين مراقبة وحاكمة».

اجتمع القوم وألقيت خطابات المجاملات والتمنيات دون ذكر لمقترح محدد واحد. وبعد يومين تبين أن اجتماع الأمل والرجاء سار في خطى عشرات الاجتماعات السابقة التي حكمتها المماحكات وعيون الخارج الحمراء والمصالح الضيقة المؤقتة والأحلام البريئة، بل وأكثر من ذلك.

حاولت الاتصال بصديقي لأواسيه وأشُد من عزيمة المستقبل في روحه النضالية التي أنهكتها السنون والانتكاسات وألاعيب الجهالة. لكن صديقي لم يجب، وعرفت أنه من المؤكد منزوٍ في غرفة نومه يبكي بيأس المحارب الجريح، وفاضت عيناي بدموع ذكريات نضالاتنا المشتركة القديمة، عندما لم يكن في قلوبنا ونفوسنا إلا الآمال العظام والإرادة الحديدية والثقة في نبل جماهير أمتنا العربية والتزامها بدحر الهجمة الإسرائيلية.

دعنا نكون صادقين مع أنفسنا ومع القوى التي تقود معركة تحرير فلسطين ولنسأل قادة الفصائل سؤالاً مباشراً لا لبس فيه ولا إبهام: إذا كان استيلاء إسرائيل على تسعين في المئة من أرض فلسطين، وإعلان قياداتها اليومي أنهم لن يسمحوا بقيام دولة فلسطينية مستقلة حتى على الجزء الباقي، وممارسة القتل ونهب الثروة وترويع الأطفال ومحاصرة الملايين واستباحة المسجد الأقصى والرفض التام لرجوع أي من اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم وأرض أجدادهم، والتهديد بطرد الفلسطينيين المتواجدين في الجزء المحتل عام 1948 ليتم تهويد فلسطين برمتها، وإذا كان معظم الغرب، بقيادة الولايات المتحة الأمريكية، يقف موحداً للسماح بكل ذلك ولا يواجهه إلا بكلمات الأسف... إذا كان ذلك المشهد قد أصبح تحدّياً يومياً لا تواجهه إلا عزيمة نفر صغير شجاع من شباب فلسطين، أليس ذلك بكافٍ لأن يتوقف عبث الخلافات المملة في ما بين الفصائل الفلسطينية، والانتقال إلى تكوين قوة ديمقراطية مشتركة، تمثل شعب فلسطين، وتضع يده في يد كل الأشراف من العرب والمسلمين والمسيحيين والمتعاونين من أشراف العالم، عبر الوطن العربي والعالم الإسلامي وكل أرض غير خاضعة للنفوذ الغربي ؟

ألا يحرك ذلك المشهد الحزين المأساوي ضمائر الجميع من أجل إيقاف دوران تلك الدائرة العبثية بشأن اتفاق الفصائل، والتي تكررت لتصبح لعبة طفولية مملة؟

ألا يدرك قادة الفصائل أن ذلك الدوران التائه في حلقة إزالة الخلافات وفشله المتكرر هو أحد أسباب تعنت إسرائيل وتغول الاحتلال المتعاظم، بل أحد أسباب تجرؤ البعض على معاداة شعب فلسطين المغلوب على أمره والمجروح بألف طعنة وطعنة؟

أقولها بصراحة تامة: لن يقبل أحد أي عذر يقدم لاستمرار هذه الخلافات، بل لن يقبلها رب المسجد الأقصى، العادل، الحق، المقسط، الذي أوصى عباده بمحاربة من يعتدون بمثل حربهم. هذا ما يفعله شباب فلسطين الذين يصارعون الاحتلال في كل يوم وكل ساعة ويتعرضون للقتل وتدمير بيوتهم والتهجير من أرزاقهم وأرضهم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdc8d5as

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"