عادي

لبنان.. صيف ملتهب أمنياً وسياسياً

22:28 مساء
قراءة 4 دقائق
الاشتباكات في مخيم عين الحلوة سببت قلقاً أمنياً كبيراً للبنان

بيروت: رامي كفوري

فيما كان اللبنانيون منشغلين بتتبع الإجراءات القضائية المحلية والدولية في حق حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، وتحليل الطروح السياسية التي خرج بها رئيس التيار «الوطني الحر» النائب جبران باسيل، تلقوا مفاجأة لم تكن في الحسبان، بدعوة المملكة العربية السعودية رعاياها إلى مغادرة لبنان فوراً، وسرعان ما تبعتها الكويت التي أصدرت بياناً تحذيرياً لرعاياها، ذكرتهم فيه بموقفها السابق من سفرهم إلى هذا البلد والمكوث فيه.

لم تشذ المنامة عن القرار السعودي، فأصدرت بياناً مماثلاً. وكان لدولة قطر موقف يدعو رعاياها إلى اجتناب المناطق الساخنة، ولسلطنة عُمان نصيحة لمواطنيها بأخذ الحيطة والحذر. أما الإمارات العربية المتحدة فذكرت رعاياها بموقفها السابق والواضح بحظر السفر إلى لبنان. وقد أثارت هذه المواقف الخليجية المتلاحقة، والتي صدرت في توقيت متقارب، التساؤلات والمخاوف في آن مما قد يحصل في لبنان من تطورات وتداعيات.

وانطلقت التفسيرات، مرتكزة إلى قراءات منطقية لمسار الأحداث في لبنان والمنطقة، انطلاقاً من الصدامات الخطرة التي شهدها مخيم عين الحلوة بين الفصائل الفلسطينية المتصارعة، ما فتح الباب واسعاً أمام التكهنات. ومن الواضح أن أحداً من الأطراف اللبنانية لم يمتلك على الفور إجابة واضحة عن هذه التساؤلات، لكن الأمر كان في منتهى الخطورة، لأن البيانات التحذيرية، على تفاوت مضمونها، أبرزت بأن هناك تخوفاً جاداً من تطورات سلبية وخطرة تنتظر لبنان، خصوصاً أن الدول التي أصدرت البيانات هي على اطلاع تام بما يجري في المنطقة، وتمتلك معلومات عن هشاشة الوضع الداخلي في وطن الأرز.

وفيما كان المقدر أنه لن يمضي وقت طويل حتى تنجلي الصورة ويعرف اللبنانيون الأسباب الحقيقية الكامنة وراء مواقف دول مجلس التعاون الخليجي، فإن توضيحات صدرت، في وقت لاحق، عن السفير السعودي في لبنان وليد البخاري، ردّت الأمر إلى اشتباكات عين الحلوة وتداعياتها.

معالجات مستمرة

وفيما أدّت الجهود إلى وقف للنار، وعودة الهدوء إلى المخيم، فإن المعالجات، اللبنانية والفلسطينية المعنية، قائمة على قدم وساق، لإعادة الاستقرار، وقطع الطريق على أي محاولات لتعميم الاقتتال في شتى المخيمات الفلسطينية.

إن التطورات المتسارعة التي شهدها الوضع اللبناني، لا سيما تداعيات الاشتباكات الفلسطينية، لم تحجب أحداثاً على مستوى كبير من الأهمية، وهي انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وحلول نائبه الأول مكانه. ويواجه سلامة مصيراً حرجاً بعد الاعتراض العدلي أمام الهيئة الاتهامية على قرار قاضي التحقيق الأول في بيروت شربل أبو سمرا ترك الحاكم السابق رهن التحقيق، وهو الممنوع من السفر أصلاً بموجب قرار صادر عن النيابة العامة التمييزية، وهذا يعني أن سلامة أصبح أمام خطر التوقيف، لأن رفض الهيئة الاتهامية لقرار أبو سمرا يفسر قانوناً أن ثمة اتجاهاً لإصدار مذكرة توقيف بحقه. وعلم أن فريق الدفاع عن الحاكم السابق يدرس ما إذا كان القرار قابلاً للتمييز، واللافت أنه لم يسبق أن عرضت حالات مماثلة أمام القضاء، ما يعني أن الحاكم السابق هو على قاب قوسين أو أدنى من دخول السجن.

وتوضح مصادر قضائية أن سلامة مدعى عليه من الحق العام الممثل بالنيابة العامة الاستئنافية، ومن هيئة القضايا في وزارة العدل التي تمثل الدولة اللبنانية، وقد استجوب الحاكم السابق أمام القاضي أبو سمرا ثلاث مرات، وترك رهن التحقيق، الأمر الذي رفضته هيئة القضايا في وزارة العدل، فاستأنفت قرار أبو سمرا أمام الهيئة الاتهامية التي وافقت على طلبها. ومما تقدم فإن رياض سلامة بات في وضع لا يحسد عليه، وهو ينتظر مصيراً غير وردي، وهو مطارد قضائياً، ومعزول شعبياً، ولن يطول الوقت حتى تنحسر عنه الحمايات السياسية، ومن يدري فقد يجد له ملاذاً آمناً من الملاحقات إذا ما قامت اتصالات بغرض بلوغ تسوية تؤدي إلى ترحيله إلى بلد آخر، بعد سداد ما يُلزمه به القضاء من غرامات وبدلات عطل وضرر للدولة اللبنانية.

أما النائب الأول للحاكم وسيم منصوري، وهو من أهل البيت، فقد اتفق مع زملائه النواب الآخرين للحاكم بألا يغامروا، وألا يخالفوا قانون النقد والتسليف والالتفاف عليه، وبالتالي سيكون مصرف لبنان متشدداً مع السياسة الحكومية إذا كانت ستنفق على حساب ما تبقى من احتياطي نقدي بالعملات الصعبة، لاسيما الدولار، وهذا ما يحتمل أن يضع الحكومة أمام مأزق جديد، ويدفع الأمور في اتجاهات تعبث بأسعار سوق الصرف.

انتظار لودريان

على صعيد الفراغ الرئاسي وعبر معاينة المعطيات المتوافرة، فإنه لا جديد حول الانتخابات الرئاسية على الرغم من المبادرات الدولية والعربية؛ لذلك يعمد كل طرف إلى تجميع أوراقه، وتحصين مواقفه بانتظار قدوم المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان في سبتمبر/ ايلول، وأبرز من يضطلع بهذا الأمر هو رئيس التيار «الوطني الحر» النائب جبران باسيل الذي عادت الخطوط سالكة بينه وبين «حزب الله»، ولو من باب ربط النزاع وتنظيم الخلاف، وقد أراد إيصال رسالة إلى من يعنيهم الأمر بأن البرنامج يتقدم عنده على الشخص فطرح موضوعين، وربط موافقته على تأييد أي مرشح رئاسة بمقدار ما يلتزم هذا المرشح بالعمل على تطبيقه؛ الموضوع الأول: اللامركزية الموسعة المالية، وهو يعرف أنه موضوع غير قابل للتطبيق وهو موضوع خلافي بين اللبنانيين، لكن هذا الشعار يدغدغ مشاعر المسيحيين، علماً أن اتفاق الطائف الذي لحظ اللامركزية الموسعة لم يشر إلى ما يُسمى باللامركزية المالية.. أما الموضوع الثاني: فهو الصندوق السيادي؛ وهو شعار يستهوي اللبنانيين الذين يتوقون أن تذهب عائدات الغاز والبترول إلى صندوق سيادي، هدفه إطفاء الدين العام، وضمان مستقبل الأجيال، وهو أمر مستحسن ومقبول نظرياً لكن دونه عقبات ومصالح ليس أولها أن العمل في استخراج الغاز لم يبدأ بعد، وهذا يعني أن كل المطروح كشرط أو كرؤية متصلة بالاستحقاق الرئاسي ليس إلا مجرد استدراج عروض سياسية أو رئاسية إلى أن يحين موعد نضوج الطبخة الرئاسية..

.. وعليه، ومما تقدم، فإن «آب اللهاب» سيظل يلفح لبنان بأسره بلظاه إلى أن يقضي الله أمراً كان مقضياً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/e8yetw9z

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"