العلاقات المغربية- الجزائرية.. مصلحة عربية

00:03 صباحا
قراءة 3 دقائق

أعاد الخطاب الذي ألقاه الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى 24 على توليه العرش في المملكة المغربية الحرارة إلى سكّة العلاقات مع الجزائر. وكان لافتاً تعمده الإشارة إلى ضرورة تسوية الخلافات الطفيفة بين البلدين الشقيقين، وإعادة العلاقات بينهما كونها ضرورة للشعبين، ولها أبعاد استراتيجية على مستوى الساحة العربية بشكل عام.

قال الملك محمد السادس في خطاب 27يوليو/تموز: «إن المغرب لن يكون مصدر شر أو سوء لإخواننا الجزائريين، والمغاربة معروفون بخصال الصدق والتفاؤل والتسامح والانفتاح والتمسّك بالتقاليد العربية العريقة». والعلاقات بين البلدين الجارين لا يجوز أن تبقى مقطوعة، ما ينعكس سلباً على اقتصاد الدولتين، وضرراً محكماً للشعبين اللذين تربطهما وشائج القربى المترسخة منذ القِدم بين عدد كبير من العائلات على جانبي الحدود الطويلة بينهما، والعادات والتقاليد وأنماط العيش بين الشرائح الاجتماعية تكاد تكون واحدة عند غالبية الشعبين.

للجزائر كما للمغرب مكانة عربية ودولية متقدمة، ويكفي ذكر التنسيق القائم بين جاليات الدولتين المنتشرين بكثافة في الدول الأوروبية على وجه الخصوص، وهما يعاملان من السلطات المحلية جاليةً عربية واحدة، نظراً للتقارب الاجتماعي واللغوي وحتى العرقي والديني بينهما. أما على مستوى العمل العربي المشترك؛ فالمغرب والجزائر لديهما تأثير كبير، وهما قادرتان على خلق حالة من الاستقطابات التي تفيد فيما لو استثمرت بشكلها الإيجابي، وتُحدث ضرراً بالغاً للعمل المشترك فيما لو تمّ التعاطي معها على الشاكلة السلبية، فأصدقاء البلدين يتأثران بموقفهما، ولهؤلاء الأصدقاء رغبة مؤكدة في رؤية العلاقات بين المغرب والجزائر سليمة ومتعافية من أية شوائب.

تعاني المغرب كما الجزائر ظروفاً مناخية قاسية، والجفاف يؤرِق المسؤولين في البلدين؛ حيث وصل إلى حد ضرب ركائز القطاع الزراعي، وينعكس سلباً على تربية المواشي وعلى البيئة وعلى بعض المجالات الصناعية، بينما شهدت أسواق المغرب نمواً مضطرداً في السنتين الماضيتين، لا سيما في المجال الصناعي، وقد دشّن الملك محمد السادس تجربة ناجحة عن صناعة سيارة مغربية تسير بالكامل على الطاقة الهيدروجينية، وتتمتع بكفاءة عالية، والصناعات الجزائرية في البتروكيمائيات وفي مجال صناعة السيارات والمعدات الزراعية؛ متطورة، وتنافس مثيلاتها في عدد من أسواق العالم.

لا يمكن تخيُل مدى الانعكاسات الإيجابية على المستوى الاقتصادي فيما لو تمّت تسوية الخلافات السياسية وعاد التعاون بين أسواق الدولتين. بالمقابل؛ فإن الضرر كبير جداً بسبب الجفاء السياسي بينهما، ويكفي ذكر المشكلات التي نتجت عن قطع العلاقات على قطاع النفط والغاز، وما سببه من تدخلات خارجية- لاسيما من إسبانيا- لأن أنابيب الغاز التي تربط بين الجزائر وإسبانيا تمر عبر المغرب وتزود الأخيرة بكميات كبيرة من الطاقة، ويستفيد المغرب من هذا المرور لتغذية جزء من محطات التوليد الكهربائية بغاز جزائري مجاناً. وتوقيف العمل بالخط المذكور سبب خسائر كبيرة للبلدين.

من المؤكد أن هناك مَن يعمل على إبراز نقاط الخلاف بين الجارتين الكبيرتين، والتعمية على النقاط الإيجابية المشتركة بينهما، وهي واسعة جداً. وقد دخلت على خط زيادة التوتر أطراف خارجية لديها مصلحة بالإبقاء على حالة الفتور، أو التباين بين الدول العربية، لأن إضعاف الدور العربي، وضرب التعاون المشترك بين الدول العربية يحقق فائدة للأطماع الإقليمية والدولية التي تتربص بالمصلحة العربية العليا.

الرأي العام العربي، يتطلع إلى تجفيف مستنقعات التباين بين المغرب والجزائر، ويتطلّع إلى إعادة العلاقات بينهما، لما ترفده هذه الإعادة من قوة للموقف العربي العام، وللاقتصاد العربي على وجه التحديد. وخطاب العرش الذي ألقاه الملك محمد السادس؛ يمكن أن يشكّل أرضية مناسبة للعودة إلى إرساء تعاون مطلوب بين الطرفين الشقيقين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yck6b27e

عن الكاتب

دكتوراه في العلوم السياسية والقانون الدولي العام.. أستاذ محاضر في الجامعة اللبنانية.. له 10 مؤلفات وعشرات الأبحاث والمقالات والدراسات في الشؤون الدولية..

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"