إسطنبول.. «أم المعارك» البلدية والسياسية

00:13 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمد نورالدين

ما كادت الانتخابات التركية تضع أوزارها بفوز رجب طيب أردوغان بولاية ثالثة لمدة خمس سنوات وتمكن «تحالف الجمهور» المؤيد له من تحصيل الغالبية المطلقة في البرلمان، حتى انكبت المعارضة على الدخول في مرحلة النقد الذاتي ، خصوصاً أن تحالفها حول مرشحها كمال كيليتشدارأوغلو للرئاسة  كان بلغ ذروة متانته. ومع ذلك خسرت المعارضة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.

كانت أولى إشارات تفكك المعارضة إعلان حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، أنه لن يدخل الانتخابات البلدية في نهاية مارس 2024 ضمن ائتلاف مع المعارضة وسيتقدم بمرشحيه  في كل مكان ومنها المدن الكبرى مثل إسطنبول وأنقرة وإزمير، فضلاً عن مناطقه في جنوب شرقي تركيا. وخرجت أصوات وازنة من «الحزب الجيد» بزعامة مرال آقشينير بأن «تحالف الأمة»  انتهى بانتهاء الانتخابات.

لكن العين بقيت على ما سيحدث داخل حزب المعارضة الأقوى، الشعب الجمهوري، بعد خسارة رئيسه كيليتشدارأوغلو السباق ضد أردوغان وخسارة الحزب 39 نائباً أعطاهم في التصويت لحلفائه .

كان من المتوقع بعد خسارة كيليتشدارأوغلو أن تخرج أصوات تطالبه بالاستقالة ليس لأنه فشل في المعركة، وهو نجح في توحيد المعارضة وبذل كل الجهد الممكن؛ بل لأنه لم يربح منذ أن أصبح رئيساً للحزب في عام 2010 أية انتخابات. وبما أن جهوده بلغت ذروتها الربيع الماضي وفشلت، فقد كان عليه أخلاقياً ترك منصبه من تلقاء نفسه والإفساح أمام تجديد دماء الحزب.

ولم يكن ينقص الحزب الشخصيات الراغبة  بهذا المنصب، مثل رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو الذي كان ينظر إليه كثيرون على أنه الشخص القادر على منافسة أردوغان. لكن كيليتشدار فرض نفسه مرشحاً، وهو الآن يرفض التخلي عن زعامة الحزب فيما حمل إمام أوغلو لواء المعارضة داخل الحزب ورفع شعار «التغيير». وهكذا على امتداد الفترة التي تلت انتهاء الانتخابات الرئاسية، رسمت السيناريوهات وخريطة موازين القوى داخل الحزب وموعد مؤتمره العام المقبل.

لكن يوم الثلاثاء الماضي (15 آب/أغسطس) خرج إمام أوغلو بموقف أقل ما يقال فيه إنه فاجأ الجميع. قال إمام أوغلو إنه سيواصل حياته السياسية في إسطنبول والترشح من جديد لرئاسة بلديتها داعياً المعارضة إلى تشكيل ما سماه «تحالف إسطنبول» زاعماً أنه سيربح المعركة كما ربحها عام 2019 بمواجهة رئيس الحكومة السابق بن علي يلدريم.

يكتسب إعلان إمام أوغلو هذا الموقف أهمية بالغة لأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كان بعد الفوز بالرئاسة توعد إمام أوغلو، وكذلك رئيس بلدية أنقرة منصور ياواش التابع أيضاً لحزب الشعب الجمهوري، بانتزاع بلديتي المدينتين منهما وإعادتهما إلى حضن حزب العدالة والتنمية الذي سيطر عليهما منذ عام 1994؛ بل كان أردوغان حينها أول رئيس إسلامي لبلدية إسطنبول ومنها بدأ رحلة الصعود إلى قمة الزعامة التركية.

لا شك أن أردوغان لا يشعر بالراحة من ترشيح إمام أوغلو. فهذا كان الأكثر قابلية لمنافسة أردوغان على الرئاسة فيما لو ترشح. كما أنه فاز بانتخابات رئاسة البلدية عام 2019 بفارق أكثر من 800 ألف صوت ضد منافس قوي جداً هو رئيس الحكومة السابق بن علي يلدريم. وإمام أوغلو، عرف نجاحاً وله شعبية داخل المدينة. لذلك فإن ترشحه من جديد سيبث الحيوية والسخونة الفائقة في انتخابات المدينة، حيث ستكون «أم المعارك» السياسية على زعامة المدينة التي هي أهم من كل زعامات الأحزاب والوزارات والنيابات. ويخشى أردوغان في حال فوز إمام أوغلو برئاسة المدينة أن تكون خمس سنوات التي سيمضيها الأخير في البلدية القاعدة الصلبة التي ستتوفر له للترشح  للانتخابات الرئاسة التركية عام 2028 والفوز بها في ظل عدم ترشح أردوغان لولاية جديدة لأن الدستور يحول دون ترشحه لولاية جديدة.

إن «تهديد» إمام أوغلو لسلطة حزب العدالة والتنمية في انتخابات الرئاسة عام 2028 رهن أولاً بنجاحه في انتخابات المدينة في العام المقبل. لذلك، فإن أردوغان، المتوهج بفوزه في انتخابات الرئاسة، يدرك مكمن الخطر على سلطة حزب العدالة والتنمية، لذلك سيعمل بكل ما ملك من أوراق سياسية وشعبية وقضائية وخدماتية لمنع فوز إمام أوغلو برئاسة البلدية. فهل سينجح في ذلك؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2mrz72b8

عن الكاتب

باحث ومؤرخ متخصص في الشؤون التركية .. أستاذ التاريخ واللغة التركية في كلية الآداب بالجامعة اللبنانية.. له أكثر من 20 مؤلفاً وعدد من الأبحاث والمقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"