عادي
راهن على الجمهور فمنحه حضوراً لا يهدده الغياب ولا الشائعات

عادل إمام.. «حريف» أصبح زعيماً للكوميديا

23:33 مساء
قراءة 5 دقائق

إعداد: مها عادل

عادل إمام، أو «الزعيم» الذي تربّع على عرش النجومية في مصر والعالم العربي لما يقرب من نصف قرن، يستعصي وصفه أحياناً على الكلمات، فهو نجم استثنائي وبطل شعبي حصل على حب جمهوره العريض لعقود. لطالما حرص عادل إمام على مخاطبة الجمهور وتلبية رغباته والتعبير عن حياته اليومية ومشكلاته الحياتية بسخرية تارة، وبجدية تارة أخرى، ولم يشغل باله طوال مشواره بمغازلة النقاد واللهث وراء جوائز المهرجانات، فعينه دائماً كانت على آراء الجمهور والشارع العربي، لدرجة جعلت أغلب «إفيهاته» تتحول إلى اللغة، سواء في الحوار أو مفردات التواصل أو الضحك أو السخرية بين الناس من مختلف الأقطار العربية، فلا يمكن تجاهل عبارة «على رأي عادل إمام» في الأحاديث اليومية بين مختلف الأعمار والبلدان.

لا يمر شهر تقريباً إلا ويصبح عادل إمام، رغم غيابه الفني، محور حديث مواقع التواصل وبقية وسائل الإعلام، وإن كان المؤذي في الأمر استهدافه بشائعات تخص وضعه الصحي وتمثل إزعاجاً لعائلته ومحبيه على امتداد الوطن العربي.

هناك مفارقة صغيرة لعلها تصلح مدخلاً لفهم ظاهرة عادل إمام في تاريخ السينما المصرية، ففي عام 1996، عندما قام النقاد والكتاب بوضع قائمة بأهم 100 فيلم مصري في القرن العشرين على هامش الدورة العشرين لمهرجان القاهرة السينمائي، لم يحظ عادل إمام إلا بفيلمين من بطولته بالقائمة، وهما الأفوكاتو واللعب مع الكبار، واعتبر كثيرون أنه تعرض للظلم بسبب تجاهل أفلام مهمة مثل الحريف والمشبوه وحب في الزنزانة والإرهاب والكباب وحتى لا يطير الدخان وطيور الظلام وإحنا بتوع الأتوبيس وغيرها. كان موقف النقاد المحير من عادل إمام معبراً عن علاقة ظلت متأرجحة بين عادل إمام والحركة النقدية طوال فترة الثمانينيات والتسعينيات، بسبب أن النجم الكبير الذي أخلص للجماهير، كان يستمد بوصلته الفنية منها، إذ لم يهتم مطلقاً بالسعي خلف جوائز أكاديمية أو إرضاء طبقة معينة من المثقفين الذين كان يعتقد بعض منهم أحياناً أن قيمة الفن تزيد كلما اتسم بالغموض على الجماهير، وأصبح غير مفهوم لهم.

1

نبض الجماهير

رهان عادل إمام على نبض الجماهير، كان مرتبطاً بعلاقة شديدة الخصوصية، ربطت بينه وبين الجمهور الذي أحبه منذ ظهوره الأول في مسرحية أنا وهو وهي التي تحولت لفيلمه الأول بنفس الاسم سنة 1965، وهو يردد «بلد بتاعة شهادات صحيح»، لتتوطد معه أكثر بمدرسة المشاغبين المسرحية الأيقونية التي ولد بها زعيماً، حينما قام بشخصية «الزعيم الأباصيري»، لقد كان مفتاح عادل إمام لدخول قلوب الناس ليس فقط موهبته وصدقه الفني، ولكن لأنه ببساطة شديدة واحد منهم، وجه من وجوههم لا يتمتع بملامح النجم السينمائي الوسيم ذي الشعر الناعم والعيون المسبلة والقامة الطويلة العريضة والتأنق الزائد والبذلة والكرافتة، وإنما كان عادل إمام بسيطاً، من تراب الشارع، فوجد فيه كل مشاهد جزءاً من روحه وحياته.

تحول

عندما قدّم عادل إمام بطولته السينمائية الأولى في «البحث عن فضيحة» سنة 1973، بدا جلياً أن مواليد 1940، خريج كلية الزراعة، الذي يهوى التمثيل، قد تحول أخيراً إلى أيقونة كوميدية، وفي السنوات الست التالية قدّم فيها 25 فيلماً من نوعية أفلام الكوميديا الخفيفة، من نوعية «حرامي الحب» و«عيب يا لولو يا لولو عيب»، حققت كلها نجاحاً جماهيرياً بينما سقط معظمها من تاريخ السينما، وظن بعض الأشخاص أن الكوميديان الكبير سيتوقف عند نقطة معينة لن يستطيع أبداً تجاوزها، ولكنه بذكائه قلب الموازين والتوقعات. في عام 1979 قدم عادل إمام فيلماً مختلفاً، «إحنا بتوع الأتوبيس»، وللمرة الأولى استغل موهبته الكبيرة في تقديم الكوميديا السوداء المصبوغة بالنقد السياسي، وكانت هذه نقطة تحول هائلة في حياة النجم الكبير، وظل مخلصاً للكوميديا ولم يتجاهل الأنماط السينمائية الأخرى، فقدم تجارب سينمائية شديدة التنوع والثراء، يكفي أن ننظر إلى إنتاجه في عام 1981 فقط، سنجده قدم خمسة أفلام لا يشبه أحدها الآخر، فقدم المشبوه مع المخرج سمير سيف، والإنسان يعيش مرة واحدة مع سيمون صالح، وانتخبوا الدكتور سليمان عبدالباسط مع محمد عبدالعزيز، وأمهات في المنفى مع محمد راضي، وليلة شتاء دافئة مع أحمد فؤاد، خمسة أفلام لخمسة مخرجين ينتمون إلى خمس مدارس مختلفة، تنقل فيها عادل إمام بين ألوان الدراما المختلفة من كوميديا إلى تراجيديا إلى أكشن إلى فلسفة عميقة بمهارة عالية وبقدرة مذهلة على التنوع والإبداع.

ثراء وتنوع

مثلت الثمانينيات الفترة الأكثر غزارة وثراء وتنوعاً، وأصبح عادل إمام النجم الذهبي بها، وقدّم التجارب السينمائية لأهم مخرجي الواقعية الجديدة، كما فعل في الحريف لمحمد خان سنة 1983، والفانتازيا الساخرة كما في الأفوكاتو مع رأفت الميهي 1984، وعبر عن أحلام المقهورين والبسطاء كما في «حب في الزنزانة» مع محمد فاضل 1983، ورصد متغيرات المجتمع الدرامية وتشوه القيم، كما في حتى لا يطير الدخان لأحمد يحيى سنة 1984، والغول مع سمير سيف 1984، ومع كل هذه الأفلام القيمة التي تناقش قضايا شديدة العمق والثراء، كان قادراً على أن يقدم الكوميديا الخالصة في المتسول وعصابة حمادة وتوتو وعنتر شايل سيفه وعلى باب الوزير في الفترة نفسها.

توأم فني

خلال مشواره الثري، اقترن اسمه ببعض النجمات التي شكّلت معه دويتو ناجحاً على الشاشة مثل يسرا و لبلبة،

وتحدثت لبلبة عن علاقتها بعادل إمام قائلة: «عادل إمام توأمي الفني، وحصلت على البطولة المطلقة للمرة الأولى معه في فيلم خلّي بالك من جيرانك، والذي كان من إخراج محمد عبدالعزيز، وهو من أهم الأفلام التي أعتز بها، وقد نجح الفيلم نجاحاً باهراً، واستمر في السينما لمدة عام، ثم تكررت مشاركاتي مع عادل إمام بعد ذلك في عصابة حمادة وتوتو، واحترس من الخط، وغيرها، حيث شاركت عادل إمام في 14 فيلماً جماهيرياً، وقد توجهت إلى التمثيل بمسلسلات للتليفزيون، بسبب تشجيع عادل إمام لي على ذلك، وتعلّمت منه الأداء أمام 4 كاميرات، وبفضل دعمه لي حققت رصيداً إضافياً 4 مسلسلات أعتز بها في مشواري. عادل إمام رفيق درب و صديق أثر كثيراً في حياتي».

وطوال حقبة الثمانينيات والتسعينيات وحتى مطلع الألفية، ظل عادل إمام قادراً على اختيار أدواره بذكاء شديد وتجديد، وشكّل الثلاثي عادل إمام وشريف عرفة ووحيد حامد كياناً متفرداً، فكانوا فرسان سينما التسعينيات بالقدرة على مناقشة أعقد وأهم القضايا في إطار فني جذاب، كما فعلوا في اللعب مع الكبار والإرهاب والكباب والمنسي وطيور الظلام والنوم في العسل.

وفي نهاية التسعينيات وبداية الألفية الجديدة، بدأت موازين قوى الكوميديا المصرية تتغير مع ظهور جيل جديد، لكن عادل إمام ذا الرصيد الذي يتجاوز 100 فيلم، ظل متربعاً على عرش النجومية، مستنداً إلى أفلام كوميدية مثل التجربة الدنماركية وعريس من جهة أمنية، وأخرى اجتماعية وسياسية مثل عمارة يعقوبيان وحسن ومرقص، تنوعت الأعمال الحديثة للزعيم، والتي سمحت له بالبقاء منافساً قوياً على الإيرادات، ولا يزال جمهوره ينتظر منه مزيداً من الإبداع.

هذه القدرة الهائلة، جعلت الزعيم يحظي بشعبية مطلقة، ببراعة «الحريف» الذي تربّع على عرش النجومية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4z5f8tre

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"