صداع إفريقي لفرنسا

00:09 صباحا
قراءة دقيقتين

تواجه فرنسا، إثر سيطرة العسكريين على السلطة في النيجر، وضعاً حرجاً بات يهدد علاقاتها التاريخية بمعظم الدول الإفريقية. وقد حاول الرئيس إيمانويل ماكرون إظهار بعض الصمود في وجه العاصفة الجديدة، ورمزية ذلك تمسكه ببقاء سفيره في نيامي بمنصبه، على الرغم من تهديدات المجلس الانتقالي بقطع الماء والكهرباء عن السفارة الفرنسية.

بعد مالي وبوركينا فاسو وإفريقيا الوسطى تواجه باريس انتكاسة أخرى في النيجر. كما تخشى تشكل جبهة من القادة الجدد في دول جنوب الصحراء تناهض النفوذ الفرنسي لصالح القوى الوافدة، وهي روسيا والصين. فكل الانقلابات التي حصلت مؤخراً استهدفت حلفاء باريس، وتبين لها أن لتلك الانقلابات علاقة بأذرع موسكو في القارة السمراء، وأنها جزء من تغيرات تضرب المشهد العالمي وتعيد توزيع توازنات القوة والنفوذ.

وبصيغة غير مباشرة، أبدى ماكرون تخوفه من إضعاف أوروبا في المسرح الدولي، وهذا التخوف جزء من حقيقة ثابتة تبرهن على تراجع ثقل الغرب، خصوصاً في إفريقيا التي بدأت تلفظ تباعاً القوى الاستعمارية السابقة، ومنها فرنسا، التي مازالت ترى مستقبلها كدولة منفردة أو ضمن الاتحاد الأوروبي مرهوناً بعلاقات حيوية مع الدول الإفريقية. وسبق لماكرون أن اكتشف، خلال جولة قادته في مارس الماضي إلى الغابون وأنغولا والكونغو والكونغو الديمقراطية، المكانة التي أصبحت علبها بلاده، عندما خرجت تظاهرات في ليبرفيل وبرازفيل وكينشاسا ضد زيارته، وحمل خلالها متظاهرون أعلاماً روسية وصوراً للرئيس فلاديمير بوتين. وقبل جولته تلك، طرح ماكرون في 27 فبراير الماضي، استراتيجية جديدة للعلاقات مع إفريقيا تتمحور حول «الدعوة إلى ضرورة «بناء علاقة جديدة ومتوازنة مع دول القارة الإفريقية»، معلناً انتهاء «عصر فرنسا الإفريقية»، ولكن التطوارت تؤكد أن تلك الاستراتيجية منيت بانتكاسات خطيرة.

قناعة باريس بتراجع دورها وحضورها في إفريقيا، يتعامل معه الفرنسيون كصداع مزمن، ويحاولون اجتراح مقاربات جديدة واستراتيجيات مختلفة تمكن من الحفاظ على ما تبقى من مصالح. وفي سياق التحولات الجارية في النظام الدولي، يبدو ذلك غير ممكن، وأن ما حدث في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، يمكن أن يتكرر، بانقلاب أو بغيره، في دول أخرى. وباتت بعض النخب الفرنسية مقتنعة بهذا المصير، وتحمل الحكومات الفرنسية السابقة مسؤولية إهمال إفريقيا وإهانة المستعمرات، ما أفسح المجال لروسيا والصين أن تملآ التراجع الغربي، الأولى بالحضور العسكري والمساعدات، والثانية بمشاريع التنمية وتطوير البنى التحتية. وما ظل الأفارقة ينتظرونه من فرنسا والغرب منذ عقود، استطاعت موسكو وبكين أن تحققاه في سنوات معدودة.

استشراف المستقبل القريب لا يحمل خيراً إفريقياً للقوى الغربية، فمعركة التنافس على النفوذ والهيمنة في هذه القارة بلغت نهايتها أو كادت، ولا يعني ذلك أيضاً أن الدول الإفريقية ستتخلى عن فرنسا وأوروبا، وإنما ستدفع باتجاه إعادة بناء العلاقات على أسس مختلفة عن السابق، وتسعى إلى تحقيق شيء من التوازن والعدالة، فضلاً عن إعادة قراءة الماضي الذي يختزن ذكريات مؤلمة سطرها المستعمرون السابقون.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4zm7fuwh

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"