عادي
تمس هيبة المعلم وتثير الفوضى بين المتعلمين

تجاوزات الطلبة.. خلل في التربية يربك المدارس

01:43 صباحا
قراءة 6 دقائق
  • لائحة السلوك غير قادرة على ردع المخالفين
  • علم النفس: ضرورة سد الفجوة بين المدرسة والأسرة
  • خبراء: تقاعس أولياء الأمور السبب الرئيسي

تحقيق: محمد إبراهيم

هناك قاعدة عامة تقول: «إذا أردنا أن نعلّم الأبناء، فعلينا بتربيتهم أولاً، ومهما تعددت أشكال هذه المعادلة، فالنتيجة واحدة، وأنه لا تعليم من دون تربية، فهما وجهان لعملة واحدة»، أما المقولة الشهيرة: «من علّمني حرفاً صرت له عبداً»، فقد بدت عليها الشيخوخة والوهن، ومع المتغيرات والتقاليع الجديدة، أوشكت مثل هذه المقولات التربوية على الانقراض، بفعل تجاوزات سلوكية من بعض الطلبة، تجسد الخلل في نظام التربية، وهو ما رصدته «الخليج» خلال أول أسبوعين فقط، من العام الدراسي الجديد، لذا تناقش مع الميدان التربوي في التحقيق التالي، تداعيات وأسباب تلك التجاوزات، وانعكاساتها على العملية التعليمية، وتحصيل الطالب العلمي، وكيف يرى علماء النفس والتربويون هذه الظاهرة وسبل علاجها.

شهدت بعض المدارس الخاصة العديد من التجاوزات السلوكية للطلبة داخل الحرم التعليمي، وجميعها كانت اعتداءات لفظية واعتراضات على المعلمين وتعنيفهم، في المقابل، أكد مديرو مدارس أن الإدارات لا تملك إلا لائحة السلوك المعتمدة للتعامل مع هذه التجاوزات الأخلاقية، وفي الأغلب يتم استدعاء ولي الأمر للتوقيع على تعهد بعدم قيام الطالب بهذه التصرفات مجدداً، مع التنبيه عليه بذلك، لكن سرعان ما يتكرر الأمر و«تعود ريمة لعادتها القديمة».

ويرى عدد من التربويين والمعلمين أن تجاوزات الطلبة السلوكية باتت جزءاً أصيلاً في كل يوم دراسي، ومع وجود التكنولوجيا، تطور الأمر من مجرد سلوك غير لائق إلى جرائم يعاقب عليها القانون، والغريب أن بعض الطلبة يسجلون جرائمهم، سواء بالاعتداء على زملائهم، أو معلميهم، بالصوت والصورة، ويتباهون بنشرها من دون إدراك لخطورة ما يفعلونه.

ووصف خبراء وعلماء النفس التجاوزات الطلابية بالخلل العميق في نظام التربية والتنشئة، معتبرين إياها إهانة لهيبة المعلم تثير فوضى بين المتعلمين في قاعات الدراسة، لافتين إلى أن تقاعس الوالدين في تربية أبنائهم يعد السبب الرئيسي في حدوث مثل هذه التجاوزات، وأن لوائح السلوك في المدارس بدأت تعجز عن ردع هذه النماذج الطلابية وإعادة تقويمها.

وقائع من الميدان

رصدت «الخليج» اعتداء طالبة في الصف الثامن على معلمتها بالسب والقذف، لرفضها الضوابط المعمول بها في قاعة الدرس، لتسمع المعلمة الاعتداء اللفظي عليها من دون الرد على الطالبة، أو القدرة على التعبير عن ردة فعلها، لترفع الأمر في حالة استسلام تام إلى مديرة المدرسة التي شكلت بدورها لجنة للتحقيق والبحث والتقصي. واشتملت التحقيقات على شهادات من زميلات الطالبة، إذ لم ينكرن تطاول زميلتهن على معلمتها بكلمات نابية، وتعففن عن تكرار ألفاظ السب التي قالتها الطالبة مجدداً لعدم لياقتها في الحرم المدرسي، وخارجه.

وفي موقف آخر، تنمّر طالب لا يتجاوز عمره الثالثة عشرة على مدير مدرسته، وتجاوز معه حدود الأدب والاحترام ليعتدي عليه بالسب والضرب، لأنه منعه من إحضار الهاتف داخل الحرم المدرسي، وشدد عليه بالالتزام بالزي.

دراسات وأبحاث

رصدت دراسات وأبحاث علمية حديثة، 15 مشكلة سلوكية شائعة بين طلبة المدارس، تضم التأخر عن الطابور الصباحي، أو الحضور للمدرسة، أو التغيب من دون إذن، وعدم إحضار الكتب والأدوات، والدخول والخروج من الفصل وقت الحصة من دون استئذان، والإهمال في أداء الواجبات المدرسية، وإحضار الهاتف النقال إلى المدرسة، والكتابة على الجدران المدرسية والأثاث المدرسي، والهروب من المدرسة أثناء اليوم الدراسي، والشجار وتهديد الآخر بالقول أو الفعل، والتلفظ بأسلوب غير لائق مع الزملاء والمعلمين.

اعتراض الوالدين

على الرغم من أن قصور بعض أولياء الأمور في تربية الأبناء، كان سبباً رئيسياً في وجود تجاوزات سلوكية لدى بعض الطلاب، إلا أن أولياء الأمور عبد الله حمدان، وحسين علي، ومحمد موافي، وسماح مصطفى، طالبوا بضرورة التصدي لتلك التجاوزات، ومحاسبة الطلبة أصحاب السلوكات المشينة التي تهدد استقرار العملية التعليمية، لا سيما التي تستهدف الاستهزاء بالمعلم أو ضياع هيبته، أو التنمّر والاعتداء على زملائهم بالسب والقذف والضرب، ما يسهم في تورط الطلبة في جرائم تقودهم إلى ساحات الشرطة وتمتد إلى القضاء.

في المقابل، أكد فريق آخر من أولياء الأمور «فضلوا عدم ذكر أسمائهم»، أن طريقة تعامل المعلم أو المعلمة مع الطلاب هي التي تجبر المتعلمين على احترامه من عدمه، لاسيما أن هناك بعض المعلمين يتعمدون التعامل بقسوة وتعالٍ مع الأبناء في المدارس، من دون مراعاة أعمار الطلبة وتقدمهم من مرحلة لمرحلة، إذ إن لكل مرحلة سنية طريقة في التعامل والتعليم.

كان هذا هو رأي هذا الفريق من أولياء الأمور، من دون أن نجد لديهم أي رد على أسباب غياب دور الوالدين في تقويم أبنائهم على الاحترام وتقدير معلميهم، ولم يكن لديهم تعقيب عن حالات السب والقذف التي يرتكبها الطلبة في حق معلميهم.

ليس مجرد سلوكات

في وقفة مع تربويين ومعلمين، أكدوا أن ما يحدث ليس مجرد سلوكات عادية، بل جرائم لا يجوز وجودها داخل الحرم المدرسي، مشددين على ضرورة إيجاد حلول مساندة للائحة السلوك التي منحت الطالب كل الحقوق، وسلبت المعلم هيبته، وأثرت سلباً في مفاهيم احترام المدرسة ومكوناتها، في ظل غياب دور الأسرة وانسحاب الآباء من أدوارهم التربوية، التي تملي عليهم محاسبة أبنائهم ومراقبة سلوكهم الخاطئ بشكل مستمر.

ويرى كل من وليد فؤاد لافي، وسلمى عيد، وعصمت علي، ورانيا حجازي، أن جميع تجاوزات الطلبة بأنواعها يتحمل مسؤوليتها الآباء الذين يساندونهم في جميع مشاكلهم، صواباً كانت أو خطأ، ما أدى إلى وجود حالة من الانفلات الأخلاقي التي تهدد وتؤثر سلباً في مكونات ومحتويات المدرسة، وأن إدارة المدرسة يجب أن تكون حازمة ومسيطرة على مجريات الأمور بين طلابها حتى لا تسود الفوضى.

لائحة الانضباط

قال تربويون إن لائحة الانضباط في المدارس لا تتضمن عقوبات رادعة للطالب، ما يشجع الطالب على تكرار المخالفة من دون خوف، أو مجرد تفكير في المخاطر، مؤكدين أهمية عقد لقاءات مع أولياء الأمور تمنع دخول الطلاب إلى المدرسة ما لم يحضر الوالدان للمدرسة، وتوقيع ولي الأمر والطالب على تعهد باحترام الحرم المدرسي والمعلمين والكوادر التربوية الأخرى، وتكثيف الحملات لردع تلك السلوكات، مع الحد من المسلسلات المنافية لعادات وتقاليد المجتمع، التي تشجع على العنف، مع التركيز على تكثيف حملات الإرشاد السلوكي بشكل دوري، وتفعيل دور الاختصاصي النفسي والاجتماعي في المدارس، وإبرام اتفاقيات مع اختصاصيين نفسيين لدراسة ومعالجة السلوكات الخاطئة.

أسباب وتداعيات

شرحت المستشارة الأسرية والنفسية أميمة حسين، أسباب وتداعيات تلك السلوكات، إذ أكدت أن السبب الرئيسي في الخلل السلوكي لدى الأبناء يعود إلى الأسرة، التي تعد المتهم الأول، حيث ركزت على التدليل، وتناست دورها في غرس أصول التربية الصحيحة في نفوس الأبناء. ويتطور الأمر مع الطالب عند دخوله المدرسة، ويفرز بعدها التجاوزات والسلوكات التي نحن بصددها حالياً، سواء كانت اعتداء بالضرب، أو السب، أو المشاحنات، أو المشاكسات، فجميعها سلوكات غير مقبولة تتطور في معظم الأحيان لتصبح جرائم يعاقب عليها القانون، ولكن الأبناء لا يدركون خطورة ما يفعلونه، وهنا تعيق الأسرة دور المدرسة في تعليم الأبناء.

بسيطة وطبيعية

وأفادت أميمة حسين بأن مثل هذه السلوكات تبدو في الظاهر بسيطة وطبيعية، لكنها تخفي وراءها جرائم تقود إلى ساحات الشرطة والقضاء، وقد تحدث بسبب ضعف قدرة الطالب على التحصيل الدراسي، ما يجعله يعرض عن الدراسة، ويميل لتكوين الشلل والعصابات مع أقرانه من الطلبة، لإثارة الشغب في الفصل واستفزاز المعلم، ليصرف الأنظار عن حالة تأخره الدراسي.

وترى أن أفضل وصفة علاجية للقضاء على تلك التجاوزات، تكمن في سد الفجوة بين المدرسة والأسرة، فضلاً عن ضرورة دعم وسائل الإعلام بأنواعها، ورجال الدين والمجتمع، الذين يلعبون دوراً كبيراً في القضاء على تلك الظاهرة.

وطالبت ببرامج متكاملة وفعالة لبحث الأسباب وإيجاد الحلول المناسبة، إذ إن وجود الأسرة بفاعلية يشكل ضرورة ملحة في تربية الأبناء، وتوجيههم وفق طرائق سليمة، مع عدم إغفال دور المؤسسات التربوية التي تشرف على المدرسين، وتوفير أخصائيين اجتماعيين ونفسيين متمرسين داخل كل مدرسة، لاكتشاف وتصحيح أي خلل سلوكي.

استنكار الميدان

استنكرت هيئات ومجالس تعليمية في مختلف إمارات الدولة، تجاوزات بعض الطلبة غير المسؤولة، مؤكدة حرصها على ضمان سلامة سلوكات الطلبة، في إطار معايير محددة وإجراءات إدارية تجمع بين الحزم والحكمة، لضمان مصلحة الطلاب والطالبات، والمحافظة على هيبة المعلم ووقاره، إذ يتم رصد المخالفات الشائعة بين الطلبة بشكل مستمر والتعامل معها وفقاً لنوع المخالفة، مشددة على أهمية تفعيل دور الاختصاصيين الاجتماعيين والنفسيين في المدارس لوضع حلول عملية لمواجهة تلك التجاوزات التي تحدث في بعض المدارس.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3sx63865

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"