مفتاح شعيب
ما زالت منطقة شرقي آسيا مسرحاً للتوتر مع حالة الاستقطاب القائمة بين القوى الكبرى، فقد شهدت في أسبوع واحد سلسلة من القمم امتدت لخمسة أيام في جاكرتا، حيث اجتمع قادة دول جنوب شرقي آسيا «آسيان» بحضور عدد من الدول، بينها الولايات المتحدة وروسيا والصين، قبل أن ينتقل القادة إلى نيودلهي للمشاركة في قمة مجموعة العشرين.
على هامش هذه القمم كانت هناك تطورات أخرى، منها زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى فيتنام، الحديقة الخلفية للصين، وعقده شراكة استراتيجية مع هذا البلد الذي ألحق قبل خمسين عاماً هزيمة عسكرية ساحقة بالقوات الأمريكية، وتحاول واشنطن إبعاده عن بكين، ضمن سياسة تتبعها للتضييق على خصمها الصيني عبر شبكة واسعة من التحالفات، تتصل أيضاً باستراتيجيتها في منطقة المحيطين الهادئ والهندي، ودفاعاً عن زعامتها للعالم، والتي باتت مهددة بفعل التغيرات الجيوسياسية بدأت تخرج عن السيطرة بالفعل.
وضمن هذا الحراك المتوتر، توجه زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون إلى روسيا للقاء فلاديمير بوتين، وهذه الزيارة تتوجس منها الاستخبارات الأمريكية، بل تخشى عواقبها، لما قد يترتب عليها من اتفاقيات بين البلدين. وما يثير قلق واشنطن ليس فقط تزويد بيونغ يانغ موسكو بأسلحة لدعم حربها في أوكرانيا، بل الترتيبات التي يجري التنسيق بشأنها بين كوريا الشمالية وروسيا والصين حول الأمن والنفوذ في البحار والمضايق الحيوية في شرقي آسيا. وبدأت مؤشرات ذلك من المناورات الروسية الصينية الضخمة في المحيط الهادئ بالتوازي مع تكثيف بيونغ يانغ تجاربها الصاروخية بعيدة المدى، وبعضها قادر على حمل رؤوس نووية تكتيكية.
في عالم السياسة، كثيراً ما يفسر رد الفعل الفعل ذاته، والتحركات الأمريكية في شرقي آسيا خطوات استباقية لما قد يحدث في المستقبل القريب في ثلاث بؤر توتر على الأقل هي: تايوان وبحر الصين الجنوبي وكوريا الشمالية، فهذه المنطقة الشاسعة باتت نقطة ساخنة تلتقي فيها تيارات حرب باردة جديدة بين المحورين الصيني- الروسي والأمريكي-الغربي وباتت مسرحاً لمشاريع ومبادرات اقتصادية وعسكرية وسياسية متزاحمة. ويبدو أن الاستقطاب الفعلي بين هذين القطبين يتهيأ لمرحلة أسخن من السابق، وهذا الاستنتاج يبقى فرضية مرجحة بقوة تتماشى مع أغلب التوقعات التي تشير إلى أن أزمة خطيرة بصدد التشكّل.
تصاعد الاحتقان في شرقي آسيا وثيق الصلة بالحرب في أوكرانيا، وما سيحدث هناك سيكون نتيجة حتمية لما ستسفر عنه تلك الحرب، فرهان الغرب على هزيمة روسيا عسكرياً وسياسياً يواجه حقائق ميدانية واعترافات سياسية تؤكد أن تحقيق ذلك الهدف أشبه بالمستحيل، بل إن الرئيس الأوكراني فلودومير زيلينسكي بدأ يشك في «نهاية سعيدة» للهجوم المضاد الذي سيداهمه الشتاء دون أن يحقق شيئاً، في الوقت الذي بدأت فيه موسكو بتطبيع الحياة في المناطق التي ضمتها، وأحدث صور ذلك مشاركة سكان تلك المناطق في الانتخابات التشريعية الروسية لأول مرة. وهذه المؤشرات تؤكد أن الخطط الغربية في أوكرانيا لا تساوق الأهداف، ولذلك فإن المحور الغربي سيركز لاحقاً على الوضع في شرقي آسيا، حتى لا يخسر في المعركتين.