عادي

تونس.. خنق حركة النهضة

23:02 مساء
قراءة 4 دقائق

د.محمد عزالعرب *

تشهد الساحة التونسية ملاحقة العديد من رموز حركة النهضة مثل منذر الونيسي رئيسها الحالي المؤقت، وعبدالكريم الهاروني رئيس مجلس شورى الحركة ووزير النقل الأسبق وأحد قياديّيها التاريخية، إذ يأتي ذلك إثر اعتقال رئيسها راشد الغنوشي ونائبيه علي العريض ونور الدين البحيري منذ عدة أشهر، فضلاً عن إغلاق جميع مقارّها.

البيانات الإعلامية الصادرة عن حركة النهضة تشير إلى أن ما يحدث يمثل «حلقة جديدة من حلقات الاستهداف للديمقراطية والحريات في تونس» و«أن التغاضي عن هتك الحقوق والحريات الدستورية ودوس دولة القانون، إنما يعد مشاركة فيها، سوف تدفع ثمنها كل مكونات المجتمع التونسي بلا استثناء». وقد فسرت هذه الاعتقالات بأنها «حملة سياسية لإسكات المعارضة». وما بين هذا وذاك، تواصل تونس مواجهة تحديات أمنية واقتصادية ومعيشية ضاغطة على قطاعات واسعة من الرأي العام.

اتهامات متعددة

وفي هذا السياق، يمكن القول إن ثمة اتهامات متعددة توجّه إلى قادة وعناصر حركة النهضة خلال الفترة الأخيرة، على النحو التالي:

1- التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي: توجّه للعديد من كوادر حركة النهضة تهمة السعي إلى بث الفوضى وتهديد الاستقرار السياسي والاجتماعي في البلاد، لاسيما بعد إعلان الرئيس قيس سعيّد التدابير الاستثنائية يوم 25 يوليو (تموز) 2021 التي أدت إلى حل الحكومة، ورفع الحصانة عن البرلمان وحلّ المجلس الأعلى للقضاء، وهو ما أدى إلى القضاء على مشروع الحركة الرامي إلى السيطرة على مفاصل الدولة وتوجيهها، بما يخدم مصالح الحركة على حساب مصالح الدولة. فعلى سبيل المثال، وجّه القضاء للغنوشي تهمة التآمر على أمن الدولة الداخلي، على خلفية تصريح هدد فيه بإشعال حرب أهلية وإثارة الفوضى بتونس، في حال إبعاد الحركة من السلطة، إضافة إلى تهمة «تمجيد الإرهاب» والتحريض على قوات الأمن والإساءة لأجهزة الدولة، بعد وصفه الأمنيين ب«الطواغيت».

2- سوء التصرف بموارد الدولة أثناء تزعم المشهد السياسي: يعد إحدى التهم الشائعة الموجّهة لعناصر حركة النهضة تلك التي تتعلق بالإدارة غير الرشيدة لموارد الدولة، لاسيما أنها تولت حقائب وزارية عديدة في الحكومات المتعاقبة بعد ثورة 2010، الأمر الذي أطال عمر المراحل الانتقالية التي شهدتها البلاد وأدخلها في متاهة ممتدة.

شبهات فساد مالي وإداري

وفي هذا السياق، تم القبض على وزير الصناعة الأسبق محمد الأمين الشخاري، في الحكومة التي قادتها حركة النهضة (في الفترة من أواخر عام 2011 وحتى أوائل 2013)، وهو مرتبط بالتحقيقات مع وزير النقل الأسبق والقيادي بحركة النهضة عبد الكريم الهاروني ومسؤولين سابقين بمؤسسة بترولية حكومية، في ضوء شبهات تتعلق بالفساد المالي والإداري وغسل الأموال.

3- تلقي تمويلات مالية مشبوهة: توجّه لبعض كوادر حركة النهضة مثل رئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي (خلال الفترة ما بين عامي 2011 و2013) تهمة تبييض أموال منسوبة إلى أعضاء من جمعية «نماء تونس الخيرية»، وهي مرتبطة بالجهاز السري لحركة النهضة، بعد تلقي الجمعية تمويلات من جهات خارجية مجهولة، دون أن يتم التحقق من هذه التهمة.

4- تشجيع الشباب التونسي على السفر إلى بؤر التوتر: شهدت الفترة التي تزامنت مع تصدر حركة النهضة للمشهد السياسي في البلاد، صعود جدل بشأن رعايتها لسفر مقاتلين تونسيين إلى الخارج؛ إذ تشير العديد من التقارير الصادرة عن مراكز أبحاث دولية أن تونس تعد الدولة العربية الأكثر تصديراً لأفراد ملتحقين ببؤر التوترات والصراعات المسلحة في المنطقة العربية ضمن الجماعات الإرهابية، وهي القضية التي لا تزال الأبحاث جارية بشأنها.

إرباك متواصل

خلاصة القول إن التقييم العام لما يجري من اعتقال لقادة حركة النهضة ووضع آخرين تحت الإقامة الجبرية، وذلك تطبيقاً لقانون حالة الطوارئ، وكذلك تتبع عناصر أخرى تابعة لها، يشير إلى إرباك الحركة التي تستعد لعقد المؤتمر الحادي عشر للحركة في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، لاسيما مع وجود انقسامات داخل الحركة أو وجود صراع بين جناحين داخل الحركة: الأول تمثله الحمائم بقيادة رئيس الحركة المؤقت، منذر الونيسي، وهو جناح يريد الوصول إلى تسوية مع السلطة. والثاني جناح الصقور الرافض جذرياً لسلطة سعيَد، وتمثله قيادات تاريخية بينها عبد الكريم الهاروني، وإجهاض أي تحالفات تحاول أن تعقدها حركة النهضة مع رجال أعمال نافذين من أجل التموقع مجدداً في الخارطة السياسية والعودة للسلطة في الانتخابات الرئاسية القادمة، وهو ما يقود في الحاصل الأخير إلى تجميد دور «جبهة الخلاص الوطني» وإضعاف فاعلية أكبر طرف معارض في البلاد.

ويظل النهج الحالي الذي تتبعه الدولة التونسية في عهد الرئيس قيس سعيّد مع حركة النهضة يختلف عن النهج الذي تم اتّباعه خلال حكم الرئيس زين العابدين بن علي والحبيب بورقيبة، وهو ما تشير إليه بعض الكتابات إذ لا تفضل الدولة الحالية نهج الاستئصال الكامل للحركة لصعوبة تحقيق ذلك؛ بل تعمل على غلبة جناح التفاهم مع الدولة على جناح الصراع معها، عبر استغلال الانشقاق الداخلي، بل هناك من يرى أن تعيين منذر الونيسي في منصب الرئيس المؤقت للحركة يعد مناورة من الغنوشي ذاته.

ليونة سياسية

تمكن إخوان تونس من التكيف مع مستجدات العهود السياسية المختلفة، عبر ما يقرب من تسعة عقود على تأسيسها، بما لا يجعل سيناريو الفناء مطروحاً بالنسبة لها، حيث تفضل سياسات البقاء مهما كان الثمن الذي تدفعه الدولة والمجتمع معاً، ويظل التحدي الرئيسي للسلطة في تونس في بلورة آليات للتعامل مع التحديات المختلفة التي تواجهها البلاد، حتى لا تستغلها النهضة لتأجيج سياسات الشارع ومحاولة العودة إلى المشهد السياسي مرة أخرى.

* رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yr3k2zwe

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"