خرافة التضخم والانكماش الصيني

21:19 مساء
قراءة 4 دقائق

دان شتاينبوك *

في أوائل الربيع، صور الخبراء الدوليون عملية إعادة فتح الصين بأنها «خطر تضخم عالمي». اليوم، يتم تصويرها «خطر انكماش عالمي!».. في الواقع، أثبتت كلتا الروايتين أنهما مجرد خرافات، والانتعاش الصيني في طريقه الصحيح رغم أنه قد يستغرق بعض الوقت.

وبالعودة إلى يونيو/حزيران الفائت، حين بقيت أسعار المستهلكين في الصين قريبة من الصفر، متراجعة عن الارتفاع بنسبة 0.2% في مايو/أيار، وذلك وفقاً لمكتب الإحصاء الوطني الصيني سرعان ما نقلت وسائل الإعلام الغربية المشهد على أنه «تسطيح غير متوقع»، ووُصف وقتها ب «الانكماش».

وقبل ذلك بستة أشهر تقريباً، كانت الأصوات نفسها التي ربطت الصين في يونيو ب «خطر الانكماش العالمي»، تصورها على أنها «خطر التضخم العالمي»، لكن بمرور الوقت تبين أن هذه الروايات قلق «متضخم» بحد ذاته ومبالغ فيه أيضاً.

في وقت مبكر من العام، عندما بدأ صُناع السياسة الصينيون بإعادة فتح الاقتصاد، حذر العديد من المراقبين الدوليين من رياح تضخمية معاكسة سيثيرها ذاك القرار. ومما افترض الخبراء حدوثه، أنه نظراً لأن أكبر مصنع في العالم وثاني أكبر اقتصاد عالمي عاد للعمل من جديد بعد ثلاث سنوات من تفشي فيروس كورونا، فإن بكين ستواجه ارتفاعاً تضخمياً في الطلب، مترافقاً مع ضغوط تضخمية عالمية.

بعبارة أخرى، اعتقد النقاد أن إعادة فتح الصين ستكون انعكاساً لما حدث في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو، لكنهم اكتشفوا فارقاً بسيطاً، هو أن الأرقام الصينية لم تدعم الواقع الأمريكي والأوروبي. فبعد كل شيء، لا يزال الاثنان يكافحان مع ارتفاع التضخم منذ إعادة فتحهما.

وعلى الرغم من هستيريا وسائل الإعلام الغربية في الربيع، ارتفع معدل التضخم السنوي في الصين إلى 2.1% فقط في يناير/كانون الثاني. حيث قفزت أسعار المواد الغذائية وغير الغذائية على خلفية عيد رأس السنة القمرية الجديدة وإزالة التدابير الوبائية وهو ما كان متوقعاً. ومع ذلك، كانت معدلات التضخم في الصين تعادل النصف مقارنة بتلك الحاصلة في اليابان، والثلث مقارنة بالولايات المتحدة، والربع قياساً إلى منطقة اليورو. وبالتالي، أصبح نعت الصين، مطلع العام الحالي، بأنها «خطر تضخم عالمي» مجرد كلام لا طائل منه.

وفي يونيو، حافظ معدل التضخم الصيني على ثباته. ووفقاً لمحللين دوليين، يعني هذا أن الصين كانت تواجه انهياراً انكماشياً وشيكاً، قالت عنه «فاينانشال تايمز»: «الصين على شفا الانكماش الاستهلاكي»، وعنونته «رويترز»: «ضغط الانكماش في الصين يتصاعد مع تعثر أسعار المستهلك»، أما «وول ستريت جورنال» فكتبت: «الانكماش الصيني يلوح في الأفق حيث يفقد الانتعاش زخمه». لكن هل تواجه الصين بالفعل خطر انكماش عالمي؟

هذا يفترض أن مستويات الأسعار تسير في انخفاض مستدام (بدلاً من زيادة مستدامة كما هو الحال في التضخم)، وأن هذا الانكماش يجري تصديره بطريقة ما إلى جميع أنحاء العالم بطريقة مستدامة أيضاً.

إذن تكمن المشكلة في أن العناوين البسيطة قد تكشف في بعض الأحيان حقائق معقدة، لكن بقليل من التحليل البسيط، يتضح أن هذه العناوين تضلل المعلومات بدلاً من أن تثبتها. والأكثر غرابة، أنها لا تفسر سبب تباطؤ بعض مكونات التضخم، في حين يبقى البعض الآخر ثابتاً، أو يتزايد بالفعل. وبالتالي، أصبح نعت الصين، منتصف العام الحالي، بأنها «خطر انكماش عالمي» مجرد خرافة وكلام في الهواء أيضاً.

نعم، لقد كانت بيانات شهر يونيو الاقتصادية الأقل قراءة في الصين منذ فبراير 2021، لكن مؤشر أسعار المستهلك، وهو مقياس رئيسي للتضخم، عبارة عن رقم إجمالي يتكون من عدة مكونات، وليس بالضرورة أن يروي كل مكون نفس الحكاية.

ومثال ذلك انخفاض أسعار المواد غير الغذائية 0.6%، بعد ثبات معدلات مايو، مع انخفاض تكلفة النقل أيضاً 6.5%، في حين تباطأ قطاع التعليم فعلياً 1.5% في يونيو عن 1.7% قبل شهر. أما معدل التضخم الصيني بالنسبة للقطاع الصحي فكان مستقراً عند 1.1%، وظلت أسعار المساكن دون تغيير بعد انخفاضها بنسبة 0.2% سابقاً. في المقابل، ارتفعت أسعار المواد الغذائية أكثر من غيرها في ثلاثة أشهر (2.3% مقابل 1.0% سابقاً) بسبب انتعاش تكلفة الخضار والبيض الطازج. كما أنه من المرجح أن يتراجع معدل تضخم أسعار الوقود، وهو عامل رئيسي وراء التضخم العام المكبوت، خلال الأشهر المقبلة.

إلى ذلك، انفجرت ثورة التجارة الإلكترونية في البلاد قبل فترة طويلة من تفشي فيروس كورونا. ومع عودة الظروف الصحية إلى طبيعتها، لا يزال يفضل العديد من المستهلكين الصينيين العروض الترويجية عبر الإنترنت، حيث تدعم التقنيات الجديدة أنماط الاستهلاك الحديثة. ومع ذلك، وبعد ثلاث سنوات من قيود كورونا، يتوخى العديد منهم الحذر، وقد لا يعودون إلى أنماط الشراء القديمة. فهم الآن لا يشترون ما يريدون، بل يشترون ما يحتاجون إليه.

في وقت سابق، قال ليو غو تشيانغ، نائب محافظ بنك الشعب الصيني، إنه من المتوقع أن يظل التضخم ضعيفاً في يوليو/تموز، لكنه قد يرتفع في أغسطس/آب ويحافظ على معدل نمو يقترب من 1% بحلول نهاية هذا العام. وبالتالي ربما يستغرق الانتعاش الاقتصادي ومعدلات الاستهلاك القوية حوالي عام للعودة إلى طبيعتها قبل الوباء.

لكن بغض النظر عن قصص التضخم والانكماش، تشير التوقعات والأرقام إلى أن الانتعاش الاقتصادي الصيني سيتعزز على الأرجح في النصف الثاني من العام.

* زميل زائر في معهد شنغهاي للدراسات الدولية (الصين)، ومركز الاتحاد الأوروبي (سنغافورة) ومعهد الهند والصين وأمريكا (الولايات المتحدة)*تشاينا ديلي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yx26p27a

عن الكاتب

زميل زائر في معهد شنغهاي للدراسات الدولية (الصين)، ومركز الاتحاد الأوروبي (سنغافورة) ومعهد الهند والصين وأمريكا

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"