أزمة كراباخ

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

علي قباجه

كان من المتوقع أن تبدأ جولة جديدة من القتال بين أذربيجان والقوات الأرمينية الانفصالية المدعومة من يرفيان في إقليم ناغورنو كراباخ؛ لأسباب عدة أبرزها التوترات المتفاقمة خلال السنوات الثلاث الماضية، أي بعد انتهاء الحرب في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وازديادها حدة خلال الأشهر الماضية، مع اشتباكات محدودة سقط فيها قتلى، إضافة إلى إغلاق باكو معبر لاشين، حلقة الوصل بين الإقليم وأرمينيا. ويمكن ربط ما يحدث بالحرب الروسية الأوكرانية، التي أثرت في مجريات الأمور هناك، خصوصاً أن موسكو تعد لاعباً أساسياً، فهي التي قادت الوساطة بين الدولتين، وتملك قوة عسكرية لحفظ السلام.

 عوامل كثيرة صبت جميعها في قرار أذربيجان بدء عملية عسكرية ل«مكافحة الإرهاب»، انتهت على ما يبدو بتحقيق أهداف العملية، وإصرار باكو على استعادة زمام الأمور من قبضة جارتها «العدوة»، وأتباعها الانفصاليين، حتى لو استدعى ذلك استخدام قوة غير محدودة، وظهر ذلك جلياً خلال أسبوع سبق التصعيد، عبر حشود عسكرية ضخمة للجيش الأذري في المنطقة.

 الظروف الموضوعية تشير إلى أن هذا الإقليم سيبقى الشرارة التي تُوقد جذوتها بين الحين والآخر؛ إذ تتجاذبه نواحٍ عدة فمن الناحية القانونية يتبع باكو، وثمة اعتراف دولي بذلك، وهو ما يعطي أذربيجان مشروعية في تنفيذ عمليتها من دون حشد دولي يدين هذا التحرك، كما أن النصر العسكري في 2020، منحها حافزاً وجرأة على إنهاء ما تم البدء به، عبر إكمال السيطرة، وإخضاع الجيب بشكل كامل وحسم الصراع فيه الذي امتد لعقود عدة، وضمه لأراضي أذربيجان، كما أن روسيا الضامنة لوقف إطلاق النار، تخوض حرباً ضروساً في أوكرانيا، تواجه فيها أعتى الأسلحة الغربية، وبالتالي، فإن حضورها خفت إلى حد بعيد، إضافة إلى التغير في توجهاتها السياسية. وما يؤكد ذلك تصريح أرمينيا الغاضب بأنها ستتجه نحو السلاح الغربي، وعدم اكتفائها بشراء السلاح الروسي، ثم الإعلان عن مناورات مشتركة مع القوات الأمريكية في أرمينيا، وتوجيه انتقادات لاذعة إلى روسيا بالقول إن قواتها فشلت في المحافظة على النظام في الطريق البري الوحيد الرابط بين أرمينيا وكراباخ، ومن العوامل التي دفعت أذربيجان للتحرك أيضاً تخلخل الثقة في حكومة يرفيان خلال الفترة الماضية؛ ثم انطلاق تظاهرات ترفض ضعفها في التعامل مع أزمة الإقليم، ليخرج رئيس الحكومة نيكول باشينيان محذراً من انقلاب.

 باكو التي استغلت الظروف الجيوسياسية، حققت مرادها بعد يوم واحد من بدء التحرك العسكري؛ إذ أعلنت أذربيجان والسلطات الانفصالية الأرمينية، وقفاً لإطلاق النار، بعدما وافق الانفصاليون على إلقاء أسلحتهم، وبدء محادثات حول إعادة دمج المنطقة المتنازع عليها، الأمر الذي عده الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف انتصاراً كبيراً.

 ما حدث قد يتكرر في أي لحظة، ما لم يضع الوسطاء، وبدعم دولي، حداً لهذه التوترات المتكررة؛ إذ إنه لا بد من حل جذري، ينهي الأزمة، وإلا فإنه لا ضامن من العودة إلى حرب شاملة، قد تجر المنطقة كلها، في ظل الاستقطابات الدولية الحادة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdfmf49j

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"