الأمن الغذائي الصيني

21:16 مساء
قراءة 3 دقائق

يو شينغ *

على مدى العقود الأربعة الماضية، حققت الصين إنجازات كبيرة في الحفاظ على الأمن الغذائي من خلال الإصلاحات المؤسساتية والتقدم التكنولوجي وزيادة الاستثمار في البنية التحتية الزراعية العامة. وخلال تلك الحقبة، ازدادت كمية الإنتاج الزراعي بمعدل 4.5% سنوياً، أي أكثر من أربعة أضعاف النمو السكاني. وفي عام 2022، وصل إجمالي إنتاج الحبوب في الصين إلى مستوى تاريخي مرتفع بلغ 686.53 مليون طن، ما عزز بشكل كبير إمداداتها الغذائية المحلية.

ورغم ذلك، ومع تزايد الطلب على المنتجات والبروتينات ذات القيمة العالية، وارتفاع نصيب الفرد من الناتج المحلي، لا تزال الصين تواجه تحديات كبيرة للحفاظ على أمنها الغذائي وإنتاج مستقر للحبوب، وفي الوقت نفسه، تعزيز التنمية الخضراء والاستخدام المستدام للموارد.

إذ يُمكن للقيود المفروضة على إمدادات الأراضي والمياه، والمشاكل المتعلقة بالمزارع الصغيرة، وشيخوخة سكان الريف، والظواهر الجوية المتطرفة الناجمة عن تغير المناخ، أن تعطل إنتاج الغذاء وتوزيعه. وبهذا الصدد، تشير الدراسات الحديثة إلى أن الأمطار الغزيرة أدت إلى انخفاض غلات محاصيل الأرز في الصين بنسبة 8% على مدى العقدين الماضيين، ما فاقم المخاوف المتعلقة بانعدام الأمن الغذائي الناجم عن صدمات الآفات المتكررة وموجات الجفاف الشديدة وارتفاع انبعاثات الكربون.

ولمواجهة التحديات الناشئة عن تغير المناخ، طبّقت الحكومة مجموعة من التدابير الاحترازية. ومنها تحسين أنظمة الري وبناء مرافق عالية الجودة لتوصيل المياه من الجنوب إلى الشمال، فضلاً عن إصلاح الأراضي الزراعية، وغيرها من البنى التحتية المرتبطة بالزراعة والنقل. واستثمرت أيضاً في البحوث الزراعية والابتكار التكنولوجي، وشجعت على تبنّي أصناف المحاصيل المقاومة للمناخ، كما عززت نظام التأمين على الإنتاج الزراعي.

وفي غضون ذلك، وضعت الصين سياسات عامة لتشجيع التحول نحو نظام إنتاج زراعي مستدام وصحي. ففي عام 2015، قدمت بكين استراتيجية مرتبطة بكيفية تخزين الحبوب في الأرض باستخدام التكنولوجيا، مؤكدة أهمية بناء القدرات بدلاً من التركيز فقط على أهداف الإنتاج. وبدأت أيضاً بتنفيذ خطة عمل نحو نمو صفري في استخدام الأسمدة والمواد الكيميائية داخل العملية الزراعية، خصوصاً أن هذه المواد لا تزال تستخدم بمعدل أعلى بكثير من المتوسط العالمي.

وكجزء من خطتها الخمسية الرابعة عشرة، أطلقت الصين مبادرة جديدة تهدف إلى زيادة إنتاج الحبوب المحلي بمقدار 50 مليون طن إضافية. وقد تم تنفيذ العديد من السياسات الجديدة بالتزامن مع هذه الحملة لتعزيز قدرة المزارعين على التكيف مع تغير المناخ. وتشمل هذه التدابير تعزيز قدرات الوقاية من الكوارث والتخفيف من آثارها من خلال اعتماد تكنولوجيات المعلومات والاتصالات، وتحسين استخدام موارد الأصول الوراثية، وبناء بنوك البذور، وتنفيذ تأمين الكلفة الكاملة لمنتجي الحبوب في المقاطعات التي تعاني نقص الغذاء، ومنع استخدام الأراضي الصالحة للزراعة لأغراض غير زراعية.

وتدرس الصين كذلك تنويع مصادرها الغذائية من خلال زيادة وارداتها من حبوب الأعلاف والمحاصيل الزيتية. ففي عام 2022، استوردت البلاد 91 مليون طن من فول الصويا، و20.6 مليون طن من الذرة، وهو ما يمثل نحو 14% من إجمالي استهلاكها من الحبوب. وبينما تساعد هذه الحملة على تخفيف النقص المحتمل في الغذاء الناجم عن الاضطرابات المرتبطة بالمناخ على المدى القصير من خلال تعزيز الاكتفاء الذاتي من الحبوب المحلية، فإن التأثيرات الطويلة الأجل لهذه السياسات للتخفيف من التغير المناخي تبقى غير مؤكدة.

وبالنظر إلى المستقبل، فإن الصين تسير على الطريق الصحيح في نهجها المتبع لمواجهة المخاطر البيئية المتزايدة على قطاعها الزراعي. وفي العقد المقبل، من المتوقع أن تلعب الممارسات الزراعية الجديدة، مثل الزراعة الدقيقة التي تعتمد على التكنولوجيا والأقمار الاصطناعية، والزراعة العمودية، دوراً أكثر بروزاً في تسهيل تحويل إنتاج الغذاء في الصين نحو مسار مستدام.

ومع ذلك، لا يزال أمام الصين طريق طويل لتقطعه في ما يخص التطوير والتنفيذ المستمرين للاستراتيجيات المتعلقة بالأمن الغذائي وتغير المناخ. فمستقبل الإنتاج الزراعي والأمن الغذائي والتكيف لا يعتمد على السياسات الحكومية والتقدم التكنولوجي فحسب، بل هو مرتبط أيضاً بالمشاركة النشطة للقطاع الخاص. ولا يجب أن ننسى أهمية الانخراط الدولي في مجالات البحث وتبادل المعرفة والممارسات المستدامة لمعالجة تغير المناخ وتأثيراته في النظام الغذائي العالمي.

* أستاذ بكلية العلوم الزراعية المتقدمة ونائب مدير معهد التنمية الريفية الجديد بجامعة بكين - (تشاينا ديلي)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc32p9v6

عن الكاتب

أستاذ بكلية العلوم الزراعية المتقدمة ونائب مدير معهد التنمية الريفية الجديد بجامعة بكين

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"