عادي
أيزنهاور صاحب فكرة الدول دائمة العضوية

إصلاح مجلس الأمن.. الخروج من عباءة روزفلت

00:19 صباحا
قراءة 7 دقائق
تقارب في الرؤية بين الصين وروسيا
الرئيس بايدن يطرح فكرة توسيع مجلس الأمن
مبنى الأمم المتحدة في نيويورك
قاعة مجلس الأمن

د. أيمن سمير*

المؤكد أن الرئيس الأمريكي الأسبق فرانكلين روزفلت غير سعيد هذه الأيام، فالذين يتمردون على رؤيته وأفكاره في تأسيس الأمم المتحدة وتشكيل مجلس الأمن يزدادون يوماً بعد يوم بما فيهم الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن، ويزداد الأمر تعقيداً للرئيس الذي قاد أمريكا للانتصار في الحرب العالمية الثانية عندما يعلم أن هناك اتفاقاً دولياً للخروج من«عباءة روزفلت» التي أسست الأمم المتحدة ورسخت مكانة الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن.

لأول مرة منذ تأسيس الأمم المتحدة في أكتوبر(تشرين الأول) عام 1945 يشعر العالم بجدية ورغبة الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن في إصلاح الهياكل السياسية والاقتصادية والثقافية التابعة للأمم المتحدة، وفي المقدمة منها مجلس الأمن الدولي الذي يتكون من 15 دولة، منهم 10 دول غير دائمة العضوية يجري انتخابهم كل عامين، و5 أعضاء دائمو العضوية، ويتمتعون بحق النقض «الفيتو»، وهم الولايات المتحدة والصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا، ووفق النظام الحالي يحتاج تمرير القرارات في مجلس الأمن إلى موافقة 9 دول على الأقل مع عدم استخدام أي دولة من الدول الخمس دائمي العضوية حق «الفيتو»، وتتمتع القرارات التي تصدر عن مجلس الأمن بموجب الفصل السابع من الأمم المتحدة «بأعلى درجات الإلزام» في التنفيذ، وقد يصل الأمر لتنفيذ هذه القرارات وفق الفصل السابع إلى استخدام القوة الخشنة منها فرض العقوبات بمختلف أنواعها، وصولاً لاستخدام القوة العسكرية كما حدث في تشكيل تحالف دولي ضم 36 دولة لإخراج العراق من الكويت.

لكن هذا النظام الموروث من مخرجات الحرب العالمية الثانية بات محل إنتقاد ورفض ليس فقط من الدول الفقيرة في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية التي تم تجاهلها في مفاوضات سان فرانسيسكو عامي 1944 و1945، بل بات هذا النظام الموروث من 8 عقود مرفوضاً من الدول الكبرى نفسها التي تتمتع بحق الفيتو في مجلس الأمن مثل روسيا والصين التي تنتقد الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين لاستخدامهم الأمم المتحدة وأذرعها التنفيذية في «تعميق الظلم» بين دول وشعوب العالم.

وبعد نحو 78 عاماً من تأسيس الأمم المتحدة بـ51 دولة فقط، تحتاج المؤسسة الدولية التي تضم اليوم نحو 194 دولة إلى «رؤية مختلفة» تساعد في «بناء عالم جديد» يعكس مصالح الجميع، ويساهم بشكل حقيقي في إرساء السلام والعدل في العالم. فخلال العقود الثمانية الماضية فشل مجلس الأمن الدولي في تحقيق المهمة التي جاء من أجلها وهي الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، فما هي الدوافع القوية نحو تعديل وإصلاح مجلس الأمن والأمم المتحدة ؟ وما هي الخطوط العريضة التي يمكن الإجماع حولها والتوافق بشأنها عندما يتعلق الأمر بالدول المرشحة للعضوية الدائمة لمجلس الأمن ؟

بيئة مختلفة

رغم تعدد الدعوات لإصلاح منظومة الأمم المتحدة منذ انهيار الاتحاد السوفييتي السابق في فجر 25 ديسمبر(كانون الأول) 1991 إلا أن المطالب بإصلاح وتوسيع مجلس الأمن هذه المرة تكتسب قوة وزخم غير مسبوقين لعدد من الأسباب هي:

1-«معادلة جديدة»، رغم أن ظهور كتلة ثالثة بعيداً عن الاستقطاب الدولي كانت فكرة قائمة منذ انعقاد أول مؤتمر لمنظمة دول عدم الانحياز في بلغراد عام 1961، إلا أن الحرب الروسية الأوكرانية كشفت أهمية «القيمة النسبية» لعالم الجنوب في صياغة «معادلة جديدة» للنظام الدولي الجديد لا يمكن فيه تجاهل دول الجنوب خاصة في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية والكاريبي. فخلال هذه الحرب فشلت الضغوط الأمريكية في إقناع نحو 144 دولة بالانضمام للعقوبات الغربية على روسيا، فالتحليل الإحصائي للمواقف الدولية يقول إن 54 دولة في إفريقيا، و52 دولة في آسيا، و36 دولة في أمريكا الجنوبية والكاريبي وجرز المحيط الهادئ لم تلتزم بالعقوبات على روسيا، وأن الذين التزموا بالعقوبات هم فقط 27 دولة في الاتحاد الأوربي، بالإضافة إلى اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا وبعض دول الشرق الأوسط، وهو ما يقول إننا أمام عالم يختلف تماماً عن بنات أفكار الرئيس روزفلت التي تأسست عليها الأمم المتحدة ومجلس الأمن الحالي.

2-«ليست المرة الأولى» يتم فيها توسيع وتطوير مجلس الأمن، ففي عام 1965 تم زيادة أعضاء مجلس الأمن غير الدائمين من 6 دول إلى 10 دول حتى يعكس مجلس الأمن العدد الكبير من الدول الإفريقية والآسيوية التي حصلت على استقلالها من الاستعمار الغربي في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، ورغم أن الولايات المتحدة لم تعترف بالحكومة الصينية حتى عام 1979 وظلت تعترف «بالحكومة الصينية» التي كان مقرها «تايبه» في تايوان إلا أن الجمعية العامة، وعلى خلاف الرغبة الأمريكية اجتمعت عام 1971، ومنحت بأغلبية الثلثين جمهورية الصين الشعبية «مقعدها الدائم» في مجلس الأمن، كما أن روسيا ورثت مقعدها الحالي الدائم في مجلس الأمن بعد تفكك الاتحاد السوفييتي السابق.

3-«عدم تحقيق السلم والأمن الدوليين»، إن مجلس الأمن فشل من خلال صيغته الحالية في تحقيق وظيفته التي تقوم على صيانة السلم والأمن الدوليين، بل كان مجلس الأمن بالصيغة الحالية وسيلة لتحقيق مصالح خاصة لدول وشعوب على حساب دول أخرى. فعلى سبيل المثال لم يمنع مجلس الأمن نشوب الحرب في فيتنام والحرب الكورية بين الشمال والجنوب، ولم يمنع الحرب العراقية الإيرانية، كما أن كلّاً من الاتحاد السوفييتي السابق والولايات المتحدة احتلا أفغانستان من دون الحاجة لقرارات من مجلس الأمن، وتكرر نفس الأمر مع الولايات المتحدة التي روجت لأسلحة الدمار الشامل في العراق من داخل مجلس الأمن، لكنها في النهاية غزت العراق عام 2003 من دون أي قرار من المجلس.

4-«الانقسام الحاد»، لا ينتظر أحد من مجلس الأمن الحالي المنقسم بين روسيا والصين من جانب، والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا من جانب آخر، منه تحقيق أية نتيجة، ولهذا لم تأخذ روسيا رأي مجلس الأمن عندما بدأت الحرب على أوكرانيا في 24 فبراير(شباط) 2022، كما أن الولايات المتحدة وحلفاءها فرضوا أشد العقوبات على روسيا وترسل السلاح إلى أوكرانيا من دون أي قرار من المجلس.

5- «مصير عصبة الأمم»، يخشى البعض من أن عدم إصلاح الأمم المتحدة ومجلس الأمن قد يلحق الأمم المتحدة بمصير «عصبة الأمم» التي تأسست بعد مؤتمر باريس عام 1919، وانهارت عندما فشلت في منع نشوب الحرب العالمية الثانية عام 1939، وهناك من يرى أن الاستقطاب الدولي الحالي يشبه البيئة السياسية التي أدت لانهيار عصبة الأمم بعد انسحاب الاتحاد السوفييتي السابق منها مباشرة.

شيطان التفاصيل

رغم اتفاق مختلف دول العالم بما فيهم الثلاثة الكبار على ضرورة توسيع مجلس الأمن، إلا أن هناك خلافات جوهرية بين هذه الدول ومنها:

* أولاً: «كفى دول غربية»، فالصين وروسيا يقولون إن الدول الغربية باتت ممثلة في مجلس الأمن بأكثر من حجمها السياسي وثقلها الاقتصادي، وأنه يكفي العالم الغربي وجود 3 دول هي الولايات المتحدة التي تمثل أمريكا الشمالية، ويكفي أوروبا بريطانيا وفرنسا، وتقول موسكو وبكين إنه حان الوقت لتمثيل إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية والكاريبي بشكل منصف.

* ثانياً: «غياب الإجماع على اليابان»، رغم الثقل الاقتصادي والسياسي الياباني في الساحتين الآسيوية والعالمية إلا أن الصين وروسيا ينظران بعين القلق لمنح مقعد دائم لليابان في مجلس الأمن في ظل توجّه طوكيو الجديد لتسليح جيشها بأحدث الأسلحة والصواريخ، وهو أمر يقلق بكين وموسكو، وتنظر روسيا والصين لمنح حق الفيتو لليابان بأنه سيكون بمثابة «فيتو غربي» وأنه سوف يضاف للفيتو الأمريكي البريطاني الفرنسي.

* ثالثاً «عقبة صينية في طريق الهند»، تبدو الهند وفق الحسابات الحالية الأقرب للانضمام لمجلس الأمن بصفة دائمة، لأسباب كثيرة منها أن الهند هي الدولة التي تحقق أعلى معدلات نمو اقتصادي في العالم، وباتت الاقتصاد الخامس خلف الولايات المتحدة والصين واليابان وألمانيا، ويتوقع أن يصل حجم اقتصادها لـ7 تريليونات دولار عام 2035، كما أن الهند أصبحت أكثر دول العالم سكاناً وتوصف بأنها الديمقراطية الأكبر في العالم، لكن هذا يخالف وجهة النظر الصينية التي تعتقد أن تمتعها بحق النقض (الفيتو) يعطيها مكانة أكبر من جارتها العملاقة على الساحة الدولية، على الجانب الآخر فإن عضوية الهند في البريكس، والتقارب الحالي بين نيودلهي وبكين، ومع دعم روسيا ودول الجنوب للعضوية الهندية تبدو الهند من أقوى المرشحين للحصول على العضوية الدائمة لمجلس الأمن؟

* رابعاً: «تعادل القوة»، فالبيئة الدولية في نهاية الحرب العالمية الثانية، والانتصار الساحق للحلفاء، والهزيمة الماحقة لدول المحور، خلقت «بئية سياسية مثالية» لتشكيل مجلس الأمن والأمم المتحدة، فالأمم المتحدة بكل هيئاتها ومنها مجلس الأمن كانت ترجمة لمصالح الحلفاء، لكن اليوم وفي ظل «تعادل القوة» بين الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين من جانب، وروسيا والصين من جانب آخر تبدو «مساحة التوافق» بين الطرفين حول إصلاح الأمم المتحدة ومجلس الأمن «ضيقة للغاية». فالولايات المتحدة منفتحة على زيادة أعضاء مجلس الأمن لنحو 25 عضواً، بينما روسيا والصين لا ترغبان في مجلس يزيد عدد أعضائه على 20 عضواً، كما تطرح الولايات المتحدة فكرة أن يكون هناك أعضاء دائمون في مجلس الأمن لكن «دون فيتو»، بينما هذا الأمر ليس عليه توافق بين مختلف القوى الدولية الأخرى، وتهدد هذه الخلافات بين الكبار ليس فقط في إيجاد أرضية مشتركة حول ترشح اليابان وألمانيا والهند لمجلس الأمن، بل يهدد باستمرار حالة عدم الثقة في قرارات ومواقف مجلس الأمن.

الواضح أن عالم اليوم يخالف زمن الأربعينات عندما جرى تأسيس الأمم المتحدة، ولتحقيق فاعلية مجلس الأمن وعدم الانجرار لحروب عالمية جديدة يحتاج العالم إلى وضع «معايير ثابتة» وذات مصداقية كبيرة يتم تطبيقها على الجميع عند تطوير وتوسيع المجلس.

* [email protected]
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/33sp27ar

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"