عادي
أغلى لوحة لفان جوخ

«الطبيب غاشيه».. تلخص أحزان القرن الـ 19

23:14 مساء
قراءة 3 دقائق
فان جوخ - لوحة «الطبيب غاشيه»

الشارقة: علاء الدين محمود
يعد الفنان فينسينت فان جوخ «1853 1890»، أحد أهم عباقرة الفن الحديث، ولا تزال أعماله تجد مساحات كبيرة من التناول من قبل المؤرخين والنقاد والمشتغلين في مجال الفنون، على العموم، إضافة إلى جمهور الفن، حيث تعتبر لوحاته من أغلى وأهم القطع الفنية في العالم، للعبقرية التي كان يتصف بها، وحياته الثرية، وتقلباته العاطفية، إذ كان يمتلك حساً مرهفاً، انعكس على أعماله، بحيث يستطيع المشاهد من خلال توظيف الألوان والخطوط والضوء أن يكتشف الحالة المحددة التي دفعت الفنان إلى رسم العمل.

كل أعمال جوخ هي انعكاس لدواخله، وتعبير عن موقفه المتأمل في الطبيعة، فتحتشد بالرؤى والأفكار.

عانى جوخ اعتلال صحته العقلية في 1888 ودخل مستشفى للأمراض العقلية من مايو 1889 إلى مايو 1890، في جنوب فرنسا، فقام كل من مدير المستشفى، د. بيلون، وشقيق فان جوخ ثيو، بِحثّ الفنان العظيم على الرسم للمساعدة في شفائه في فترة لم يكن فيها يستطيع الرسم، فلجأ إلى نسخ أعمال أخرى، وكان نتاج ذلك الكثير من الإبداعات التي ظلت تدهش الناس في كل حين، وكانت تلك الحقبة شديدة الخصوصية في حياته، قدم فيها عطاء فنياً مختلفاً عبّر فيه عن نفسه ودواخله، وتأويلاً للطبيعة من حوله في سياق التيار الانطباعي، فقد كانت لحظة انكباب الفنان على الرسم هي من لحظات الإشراق النادرة في عالم شديد العتمة عاشه فان جوخ.

لوحة «الطبيب غاشيه»، واحدة من أهم الأعمال الفنية لجوخ، وقد انتهى من رسمها عام 1890، وهي قطعة نادرة تلخص أحزان القرن التاسع عشر لا تزال تشغل أذهان النقاد والمؤرخين الفنيين، ورسمها عندما كان يعاني نوبات الجنون والعصاب، غير أن العمل جاء بصورة مدهشة، لا يجسد شخصية الطبيب فقط، بل ويعبّر عن الحالة النفسية للفنان نفسه.

خلفية

بعد أن خرج جوخ من المستشفى، قام شقيقه ثيو بالبحث له عن بيت ليقيم فيه، وكان أن أرسله ليقيم مع الطبيب بول غاشيه الذي كان مهتماً بالعمل مع المبدعين، غير أن جوخ لم يكن مرتاحاً في البداية، إلا أن هذا الواقع قد تغير بعد قليل، بعد أن توطدت العلاقة بين الفنان والطبيب، حينها أرسل جوخ رسالة مختلفة عن الأولى إلى شقيقه ثيو: «لم أرَ في غاشيه سوى أخٍ حقيقي لي، يبدُ لي أنني حصلت على أخٍ آخر، نحن نشبه بَعضنا بعضاً كثيراً، هيئة وعقلاً»، وقد أراد أن يعبّر فان جوخ عن امتنانه لغاشيه بعد أن شهدت العلاقة بينهما منعطفاً بفضل الاهتمام الذي أولاه الطبيب لذلك الفنان المرهف، والحقيقة أن غاشيه كان شديد الإعجاب بفان جوخ، وقد أشار إلى أن هذا الفنان العظيم، كان يكشف أمامه كل مرة عن مجموعة الصور «البورتريهات» الذاتية لكي يريه التحولات التي مرّت عليه خلال هذه الفترة.

في ذلك الوقت، كانت تعشش في ذهن جوخ لوحة «توركواتو تاسو في مستشفى المجانين»، التي رسمها ديلاكوا، فأرسل إلى شقيقه ثيو كي يسأله عما إذا كان بمقدوره العثور على نسخة من الطباعة الحجرية للوحة، وأخبر شقيقه أنه يريد أن يجسد تلك الروح التي في لوحة يوجين في بورتريه يقوم برسمه هو بصورة أفضل، وبالفعل فقد رسم فان جوخ لوحة الطبيب غاشيه متأثراً بلوحة يوجين تلك، وبعد الانتهاء من الرسم كتب فان جوخ عن اللوحة: «لقد انتهيت من رسم بورتريه السيد غاشيه التي توحي بالتعبير عن حزن، لوحة حزينة ولكنها عظيمة، مذهلة وأنيقة.

وصف

يظهر غاشيه في مشهد اللوحة وهو متكئ على طاولة حمراء بكوعه الأيمن، مسنداً رأسه على يده، وعلى سطحها يظهر كتابان بأغلفة صفراء وعشبة «الكشاتبين» الطبية التي تستخلص منها مواد تساعد على علاج بعض أمراض القلب، وقد كتب فان جوخ رسالة إلى صديقه الرسام بول جوجان، يصف فيها وجه الطبيب ب«الوجه الحساس»، الذي يحمل «التعبير الحزين في عصرنا»، وقد وصف أحد النقاد ذلك الوجه بأنه نقطة تركيز البورتريه، كما وصف المعطف اللازوردي الذي يرتديه غاشيه في اللوحة مع خلفية التلال الملونة بالأزرق الفاتح بأنها: «ملامح ذابلة، ومتعبة، وعينان زرقاوان، وشفتان تعكسان الحزن والشفقة التي يحملها الطبيب»، كما بعث فان جوخ برسالة إلى شقيقه ثيو يقول فيها: «أريد أن أجعل من هذه اللوحة أن تكون الأفضل والأكثر إثارة من بين جميع الأعمال التي قمت بها».

اللوحة هي الأغلى من بين رسومات فان جوخ، فقد بلغت رقماً قياسياً في قيمتها المادية، حيث بيعت ب82,5 مليون دولار خلال مزاد نظمته دار كريستيز في نيويورك عام 1990.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdze9hcy

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"