تركيا.. الجمهورية في مئويتها

00:03 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمد نور الدين

مرّت قبل أيام (29أكتوبر/ تشرين الأول)، الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية عام 1923. وهو اليوم الذي يحتفل فيه الأتراك بعيد الاستقلال. وهو يوم لا شك في أنه عظيم بالنسبة إلى الأمة التركية، فهو يوم ولادة تركيا الحديثة بجغرافيتها، ونظامها، ومكانتها، الإقليمية والدولية.

ويمكن أن تُدرك أهمية المناسبة بالمقارنة بين ما صارت عليه تركيا عام 1923 وبين ما كانت عليه قبلاً. إذ إن الدولة العثمانية بعد سقوطها المدوي في الحرب العالمية الأولى، وانحسارها عن معظم مناطق العالم العربي، والبلقان بالكاد تبقّى لها بعض الأراضي في منطقة آسيا الصغرى، وهي التي عمل الضابط مصطفى كمال بعد عام 1919 على محاولة إعادة تحريرها وتوحيدها بعدما احتلت معظمها قوات فرنسا وبريطانيا واليونان وإيطاليا. وعملت الدول المنتصرة على تقاسم تركيا في اتفاقية «سيفر» 1920، التي لحظت أيضاً إقامة دولة أرمينيا الغربية في شرق الأناضول، ومنطقة حكم ذاتي للأكراد في جوب شرق الأناضول.

غير أن مصطفى كمال (الذي أصبح لقبه أتاتورك عام 1934) تمكن، بمعاركه العسكرية وإنجازاته السياسية والتفاوضية، من بسط السيطرة على معظم المناطق التي تشكل حالياً الجمهورية التركية. ومن ثم جاءت معاهدة لوزان في 24 يوليو/ تموز 1923 لكي تثبّت الانتصارات التركية، وبالتالي حدود الجمهورية الجديدة. وإذا كان أتاتورك خسر الصراع مع بريطانيا على ضم لواء الموصل في العراق عام 1926، لكنه ربح،عشية وفاته عام 1938، بالتواطوء مع فرنسا ضم لواء الإسكندرون السوري إلى تركيا عام 1939. وجاءت اتفاقية مونترو، قبل ذلك عام 1936 حول وضع مضيقي البوسفور والدردنيل لتستكمل السيادة التركية على جميع أراضيها.

مثلت الجمهورية باباً حتمياً لولوج قضايا الحداثة والانتقال بالبلاد، مجتمعاً ونظاماً، من مرحلة السلطنة والتيوقراطية، إلى مرحلة السيادة والقرار للشعب، وعمت النهضة جميع مجالات الحياة من التعليم والاقتصاد إلى منح المرأة حقوقها فضلاً عن نأي تركيا بنفسها عن مشكلات الجوار وأهمها البقاء على الحياد في الحرب العالمية الثانية، وهي التي عانت انهيار السلطنة بسبب دخولها الحرب العالمية الأولى إلى جانب ألمانيا. واحتفلت تركيا قبل أيام بالذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية باحتفال مهيب على ضفاف البوسفور يليق بهذه الذكرى. ولا شك في أن تركيا اليوم أصبحت أكثر إدراكاً لأهميتها وقوتها ومكانتها، في المنطقة والعالم.

ولا شك في أن نقطة التحول في مسار تركيا الخارجي على الأقل، كان انضمامها إلى المعسكر الغربي بعد الحرب العالمية الثانية، ولا سيما إلى حلف الناتو عام 1952. ويمكن القول إن سياسة تركيا خلال الحرب الباردة اتسمت بالانضباط في حركتها الخارجية، إلا فيما خلا القضية القبرصية. واستمر ذلك إلى عام 2002 تاريخ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في تركيا، حيث طرأ عنصران أساسيان على مسار الجمهورية. الأول شروع حزب العدالة والتنمية بتطبيق سياسات أكثر إسلامية، وأقل علمانية في الداخل، واستغلال ما سمّي ب«الربيع العربي» لكي تتبع في الخارج سياسة عثمانية جديدة، قوامها تغيير الأنظمة القائمة وإحلال أخرى موالية لها. ما أدى بتركيا إلى الخروج عن سياسة «الحياد النسبي» التي كانت عليها، إلى سياسات أفضت إلى خلافات مع أغلبية دول المنطقة، لا سيما العربية منها. وقد عملت تركيا لحماية هذه السياسات إلى إنشاء جيش قوي، وتعزيز صناعاتها العسكرية، لا سيما في مجال المسيّرات، والانخراط في حروب في سوريا والعراق وليبيا والقوقاز، لتحتفل تركيا بالتالي بالذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية وسط انقسام داخلي حاد بين العلمانيين والإسلاميين، ونزاع لا ينتهي بين الأتراك والأكراد.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/9ufbdusf

عن الكاتب

باحث ومؤرخ متخصص في الشؤون التركية .. أستاذ التاريخ واللغة التركية في كلية الآداب بالجامعة اللبنانية.. له أكثر من 20 مؤلفاً وعدد من الأبحاث والمقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"