محمد علي الحمادي
مع التطورات المتسارعة التي يشهدها العالم، والانفتاح الثقافي والاجتماعي الذي يصاحبها، أضحت مقولة ومعادلة قياس قوة الدول بما تمتلكه من ترسانة وقوة عسكرية أو بتعداد سكانها غير دقيقة، فذلك زمان انتهى ونحن اليوم نعيش في زمان مختلف في كل تفاصيله وحيثياته.
موازين القوى تغيرت لتشمل مجالات وقطاعات أخرى منها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها الكثير، ويأتي معرض الشارقة للكتاب، أحد الأدوات الرئيسية التي غَيرت بجهود مجلس إدارة هيئة الشارقة للكتاب الذي تترأسه الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي مفاهيمَ القوة واستخداماتها في النطاق الدولي، وذلك عبر تعزيزها استراتيجية «القوة الناعمة» لدولة الإمارات، والتي انتهجت التركيز على الثقل الإنساني وإبراز الصورة الحضارية لدولة الإمارات وإرثها وهويتها وثقافتها المميزة طريقاً نحو إعلاء اسم وطننا الغالي في كافة المستويات والأصعدة.
من خلال مئات المشاركين والفعاليات المصاحبة يذهب معرض الشارقة للكتاب في عمره الذي وصل إلى 42 عاماً من ترسيخ الأدب والكتابة بعيداً وعميقاً، ناشراً في آفاق إماراتنا العزيزة الكثير من بشائر الثقة والطمأنينة بحاضرنا ومستقبل أبنائنا وأحفادنا، مغذياً ذاكرتنا بروايات وأحداث لم نعاصر زمانها أو مكانها، زارعاً فيها بذور الابتكار والتميز والإبداع.
بها نسافر عبر الزمن إلى مواقع ومناطق لم نزرها، نتعرف من خلالها إلى شخصيات من صنع الخيال أو أبطال كتبوا أسماءهم بأحرف من نور في تاريخ البشرية، صيغت كلماتها ونصوصها بمزيج بين اللغة الصافية بجوهرها ومضمونها، حفاظاً على أساس لغتنا واستمراريتها في عقول شبابنا، وفيها الشكل الذي يربط الحاضر بالماضي، لنستفيد من العبر وإبداعات أصحابها في تحسين واقعنا.
وكما نعرف جميعاً أن لكل قصة نجاح عوامل وأشخاص... وأول مفاتيح نجاح المعرض دعم وحرص صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الأب والقائد الاستثنائي، الداعم لمسيرة الحوار الحضاري والاستثمار في قدرات الإنسان، وهو حرص مستحق، فوهب المعرض من دعمه وتشجيعه ما وهب، مرسخاً في سجل الاستثمار في الإنسان والتقارب الفكري بين مختلف الثقافات العديد من المبادرات الثقافية، آخذاً بيد إمارة الشارقة إلى تخوم المجد والإنجاز، متوجاً اسمها وطناً وعاصمةً عالمية للكتاب.
عام 1982 كانت البداية والانطلاقة الأولى للمعرض، الذي كان أداة داعمة ومكملة لما تؤمن به إماراتنا الباسمة، وتعكف باستمرار على ترسيخه في نفوسنا صغاراً كنا أو كباراً، فالمعرفة والقراءة وإثراء الجوانب الإنسانية حق أساسي للجميع، يرتقي بنا في كل كلمة نقرؤها درجةً في سلم التعايش المشترك وتعزيز الحوار الحضاري والتقارب الفكري بين مختلف الثقافات.
يومٌ يفصلنا عن أهم تظاهرة ثقافية واجتماعية تنتظرها إمارة الشارقة، تجمع كتاب وعشاق الكلمة من كل حدب وصوب بمختلف الأعمار والاهتمامات، تحت سقف واحد، يعززون بوجودهم معاً أواصر التعارف والتقارب بين المبدعين والناشرين وكل من له صلة، فالكلمة تمثل اليوم أحد مصادر «القوة الناعمة»، وهذا ما يلفت النظر عند مشاهدة دور النشر والأجنحة المشاركة في فعاليات معرض الكتاب وعليها جميعاً صور لأعلام دولها، بما يعكس مكانتها الثقافية وقوة وزخم إصداراتها الثقافية، وما وصلت إليه من معرفة وإبداعات.