العلمانية التركية تنتخب زعيماً جديداً

00:34 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمد نورالدين

واجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي يتزعم «حزب العدالة والتنمية»، أكبر تحدٍ له في الانتخابات الرئاسية التي جرت في 28 مايو/ أيار الماضي. ذلك أن المعارضة التركية خاضت الانتخابات الرئاسية للمرة الأولى موحدة في سابقة مهمة حيث تحالف القومي التركي، مع الإسلامي، مع العلماني، مع الكردي.

اتجهت الأنظار بعد الانتخابات إلى الأحزاب الخاسرة، باعتبار أنها يجب أن تتحمل مسؤوليتها. وبالفعل، أعاد «حزب الشعوب الديمقراطي» الكردي تنظيم نفسه، وتسمّى باسم جديد لمواجهة احتمال حظره، وصار اسمه «حزب الشعوب للمساواة والديمقراطية»، وانتخب قيادة جديدة له.

غير أن التركيز كان منصبّاً على «حزب الشعب الجمهوري» الذي عقد مؤتمره ال 38 في أنقرة، يوم السبت الماضي. وأهمية المؤتمر أنه الحزب العلماني الأكبر، والأقدم في البلاد، والذي أسسه مصطفى كمال أتاتورك في عام 1923. ويعتبر بيضة قبان المعارضة، إذ يحوز نحو 25 في المئة من أصوات الناخبين.

ومنذ أن تلقى هزيمة الانتخابات الرئاسية الأخيرة، كانت التساؤلات عما إذا كان كيليتشدار أوغلو سيستمر في زعامة الحزب، أم سيخلي مكانه ليتولى جيل جديد مواصلة المعركة من أجل تثبيت علمانية تركيا وديمقراطيتها.

وكانت المفاجأة أن المرشح المنافس، لا يعتبر من العيارات الثقيلة في الحزب، وهو أوزغور أوزيل، نجح في إلحاق الهزيمة بالرئيس الحالي كيليتشدار أوغلو، في الدورة الثانية وبفارق نحو ثلاثمئة صوت. والمفاجأة في كل هذه العملية الانتخابية، أن الأوفر مكانة وقدرة على قيادة الحزب في هذه المرحلة، وهو رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، لم يترشح لرئاسة الحزب في حسابات، على ما يبدو، طويلة المدى، حيث يرى أن الأولوية هي للاحتفاظ برئاسة بلدية إسطنبول، حيث ستجري الانتخابات البلدية في نهاية مارس/ آذار المقبل. ومن خلالها في حال الفوز يستطيع أن يراكم إنجازات ممكنة تعزز وضعه كمرشح عن «حزب الشعب الجمهوري»، والمعارضة، وتعزز حظوظه في هزيمة مرشح السلطة عام 2028، سواء كان أردوغان نفسه، (في حال تعديل الدستور الحالي ليتمكن من الترشح لولاية ثالثة)، أو أي شخص آخر.

وانتقال الزعامة من أوغلو إلى أوزيل يضع «حزب الشعب الجمهوري» أمام تحديات جديدة، تتمثل في كيفية تجاوز نفسه، والوصول إلى مختلف الفئات التركية، ليتمكن من كسبها إلى جانبه. كما يتطلب منه بث الثقة في الفئات التي لا تزال ترى في الأحزاب العلمانية في تركيا طرفاً معادياً للدين. وفي الحقيقة أن تركيا تعاني من تطرفين: ديني قومي، وآخر علماني. وكل من يأتي باسم الديمقراطية يتحول في اليوم التالي إلى مجرد ممثل لحزبه فقط. ومن «تقاليد» الأحزاب التركية أن يستمر الزعيم على رأس الحزب لعقود، وليس لسنوات.هذه حال أتاتورك، وعصمت اينونو، وبولنت أجاويد، وسليمان ديميريل، ونجم الدين أربكان، وأردوغان. يربحون ويخسرون، ويستمرون على رأس الأحزاب. وعلى الرغم من خسائر سياسية وانتخابية استمرت 13 سنة، لم يفكر أوغلو في ترك منصبه في رئاسة الحزب، بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة. وكان الأجدى به إعطاء مثل في الممارسة الديمقراطية. فكانت المبادرة هذه المرة من المؤسسة الحزبية التي أطاحت بزعيمه.

في جميع الأحوال تركيا أمام مشهد حزبي وسياسي جديد لا يمكن الحكم على نتائجه إلا في ضوء الممارسات الميدانية. وأول هذه الامتحانات اختبار الانتخابات البلدية في نهاية مارس/ آذار المقبل.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p8yp2zc

عن الكاتب

باحث ومؤرخ متخصص في الشؤون التركية .. أستاذ التاريخ واللغة التركية في كلية الآداب بالجامعة اللبنانية.. له أكثر من 20 مؤلفاً وعدد من الأبحاث والمقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"