تركيا.. حرب المؤسسات القضائية

00:06 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمد نورالدين

عرفت حقبة حزب العدالة والتنمية على امتداد أكثر من عشرين عاماً ما يمكن اعتباره «انقلابات» متعددة على صيغة النظام الذي كان قائماً. وكان أول هذه الانقلابات الدعوة لانتخاب رئيس الجمهورية من الشعب.

ففي آخر نيسان /إبريل 2007 ترشح عبد الله غول وزير الخارجية لرئاسة الجمهورية. واعتبرت قيادة الجيش التركي حينها أن غول لا يمكن أن يترشح لأن زوجته ترتدي الحجاب وهذا أمر، وفقاً لقيادة الجيش، ينتهك المبادئ العلمانية للدولة.

وللمرة الأولى يرفع حزب الشعب الجمهوري المعارض دعوى لدى المحكمة الدستورية من أجل اعتبار النصاب اللازم لانتخاب الرئيس ثلثي عدد الأصوات، أي 367 من أصل 450 نائباً في كل دورات اقتراع البرلمان على شخص الرئيس. ولما كان انتخاب الرئيس يتم من خلال التصويت في البرلمان، ولما لم يكن حزب العدالة والتنمية ومن يؤيده من نواب آخرين لا يملكون أكثرية الثلثين، فقد استمر رئيس الجمهورية أحمد نجدت سيزير في موقعه لحين انتخاب رئيس جديد، كما دعا رئيس الحكومة حينها رجب طيب أردوغان إلى انتخابات نيابية مبكرة في تموز/ يوليو من العام نفسه على أمل أن يحصل الحزب ومؤيدوه على أكثرية الثلثين. وفي تلك الانتخابات فاز حزب العدالة والتنمية بأغلبية كبيرة لكنها دون الثلثين. غير أن المفاجأة كانت في إقناع حزب الحركة القومية بزعامة دولت باهتشلي بالمشاركة في جلسة انتخاب الرئيس وتأمين أكثرية الثلثين حيث تم انتخاب عبد الله غول للرئاسة في 28 آب/ أغسطس 2007.

والانقلاب الأهم أن البرلمان الجديد وبمبادرة من حزب العدالة والتنمية طرح على استفتاء شعبي جرى في 31 تشرين الأول / أكتوبر 2007 مسألة انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب. ونجح الاستفتاء فكان أول تغيير جذري في صيغة النظام ورفع يد المؤسسة العسكرية عن التأثير في نواب الأمة وإحالة القرار والخيار لكامل الشعب.

أما الانقلاب الثالث المهم فكان حل المدارس الحربية التابعة للجيش التي كانت تخرج الضباط وذلك بعد المحاولة الفاشلة للقيام بانقلاب 2016. حيث تم إنشاء جامعة الدفاع الوطني التي باتت تقوم بهذه المهمة ولا يدخلها سوى الموثوق بهم لتكون قيادة الجيش موالية لحزب العدالة والتنمية.

وجاء التغيير الأكبر في النظام مع الاستفتاء على الانتقال بالبلاد من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي عام 2017 حيث تم إلغاء منصب رئيس الحكومة وباتت كل الصلاحيات بيد رئيس الجمهورية الذي يعين معظم الموظفين والوزراء والسفراء ورؤساء الجامعات، ولا تحتاج الحكومة لثقة البرلمان وغير ذلك من صلاحيات «سلطانية».

وفي العام التالي أجريت انتخابات مبكرة نيابية ورئاسية لتطبيق هذه التعديلات الدستورية ففاز أردوغان وحزبه ودخلت البلاد من حينها في النظام الرئاسي الفعلي.

قبل أيام أصدرت المحكمة الدستورية قراراً ملزماً بإطلاق سراح جان أتالاي النائب عن حزب العمال التركي اليساري الذي كان معتقلاً. وتفرض القوانين إطلاق سراح المعتقل في حال فوزه بالانتخابات النيابية. ولذلك سوابق متعددة. لكن ترشح أتالاي وفوزه بالنيابة في 14 أيار/مايو الماضي لم يدفع إلى إطلاق سراحه الأمر الذي دفع حزبه لمراجعة المحكمة الدستورية. وقبل أيام أصدرت المحكمة قرارها بأغلبية واضحة بإطلاق سراح أتالاي. لكن محكمة الاستئناف العليا أبطلت قرار المحكمة الدستورية بل تقدمت بطلب الملاحقة القضائية لقضاة المحكمة الدستورية الذين أيدوا قرار إطلاق سراح أتالاي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4auxurvn

عن الكاتب

باحث ومؤرخ متخصص في الشؤون التركية .. أستاذ التاريخ واللغة التركية في كلية الآداب بالجامعة اللبنانية.. له أكثر من 20 مؤلفاً وعدد من الأبحاث والمقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"