الزلازل السياسية بعد حرب غزة

00:16 صباحا
قراءة 3 دقائق

بأي نظر في احتمالات وسيناريوهات ما بعد الحرب على غزة، لا يمكن العودة إلى ما قبل السابع من أكتوبر. كل شيء سوف يختلف في حسابات وموازين القوى داخل البيت الفلسطيني، أدوار السلطة، ومستقبل جماعات المقاومة، برامجها وأوزانها.

لا بقاء السلطة على أحوالها مقبول.. ولا إلغاء المقاومة ممكن. أياً كانت النتائج العسكرية، فإن صفحة جديدة سوف تُفتح في التاريخ الفلسطيني.

العالم العربي بدوره سوف تختلف معادلاته بأثر التفاعلات في بنيته المعلنة وغير المعلنة.. والمقاربات الدولية للقضية الفلسطينية قد تنالها تغييرات جوهرية، أقرب إلى الزلازل.

المقدمات تنذر بما هو مقبل، لكنه لن يعلن كامل حقائقه في يوم وليلة. التفاعلات العميقة قد تستغرق وقتاً يطول أو يقصر قبل أن تأخذ الزلازل السياسية مداها.

هذا ما حدث بالضبط بعد جميع مواجهات السلاح على مدى 75 عاماً من الصراع العربي الإسرائيلي. بعد حرب فلسطين الأولى 1948، التي أفضت إلى النكبة، نكبة فلسطين والعرب، جرت مراجعات غاضبة: لماذا حدث ما حدث؟.. وأين مواضع الخلل في النظم والأفكار والسياسات التي أفضت إلى هزيمة الجيوش العربية؟

بأثر صدمة النكبة، أعاد الضابط الشاب جمال عبدالناصر، رئيس أركان الكتيبة السادسة في حرب فلسطين، فور عودته إلى القاهرة، بناء تنظيم الضباط الأحرار من جديد، وتشكيل هيئته التأسيسية، التي أطلت على المسرح السياسي الملتهب يوم 23 يوليو 1952.

كانت النكبة أحد الدوافع الرئيسية للتغيير الواسع، الذي امتد إلى المنطقة كلها.

جرى أوسع تمرد ثوري على الإرث الاستعماري، وقادت مصر عالمها العربي وقارتها الإفريقية والعالم الثالث كله. لم يكن ذلك متصوراً عقب النكبة، ولا ممكناً بأي خيال محلق، لكنه حدث فعلاً.

شاهد العالم كله مأساة غزة رؤية عين، لم يسمع عنها من راوٍ أو مؤرخ. تفاعل وتأثر وتظاهر، وانطوى العالم العربي على جراحه وغضبه وشعوره بالمهانة.

بصياغة الزعيم الهندي «جواهر لال نهرو»: «إنه إلغاء للتاريخ».

كانت القضية الفلسطينية دوماً نقطة المركز في ذلك الصراع المحتدم على مصير المنطقة. في يونيو 1967 كادت الهزيمة المروعة تجهض كل أمل بأي مستقبل. استهدفت تلك الحرب إجهاض المشروع التنموي في مصر، وكذلك إجهاض أدوارها التحررية.

لم تعلن مصر استسلامها بإرادة شعبية كاسحة يومي 9 و10 يونيو. رفضت تنحي عبدالناصر ودعته إلى إعادة بناء القوات المسلحة وتصحيح الأسباب التي أفضت إلى الهزيمة.

كانت حرب الاستنزاف بين عامي 1967 و1970 البروفة الكاملة لحرب أكتوبر 1973، التي يعود الفضل الأول فيها إلى المقاتل المصري.

الحقائق المستجدة سوف تلعب أدوارها في تحديد توجهات اليوم التالي. لأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي تكتسب القضية الفلسطينية زخماً سياسياً وإنسانياً غير مسبوق بفضل الإعلام البديل وثورة الاتصالات. صدمة الصور الشنيعة استدعت تظاهرات احتجاجية بمئات الآلاف في شوارع العواصم والمدن الكبرى.

تحركت قوى رافضة لسياسة الرئيس جو بايدن في أوساط المؤسسات الاستخباراتية والأمنية والخارجية الأمريكية، وكذلك قطاعات واسعة داخل حزبه الديمقراطي، خاصة الأفارقة الأمريكيين وحركة «أصوات يهودية».

بتعبير صريح لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام السفراء الغربيين الذين التقاهم في ذروة الحرب: «هذه حربكم كما هي حربنا» النور ضد الظلام، والحضارة ضد التوحش. «إنه سقوط سياسي وأخلاقي للغرب». كان ذلك تعبيراً مضاداً لمفوض السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي «جوزيب بوريل».

رغم التضحيات الهائلة التي بُذلت، فإن أهم النتائج السياسية للحرب على غزة إعادة إحياء القضية الفلسطينية كقضية تحرر وطني كما لم يحدث من قبل.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yue3p29v

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"