القلق الجيوسياسي سمة لا صدمة

22:09 مساء
قراءة 4 دقائق

مايك دولان*

إذا حكمنا من خلال سيل النصائح الاستثمارية لعام 2024، فإن الجغرافيا السياسية الأكثر اضطراباً منذ نحو خمس سنوات، مع اقتراب سلسلة من الانتخابات الحاسمة العام المقبل في الولايات المتحدة والهند وتايوان والمكسيك وربما بريطانيا، يجب أن تكون المسار الثابت والآمن الذي على المستثمرين سلكه الآن بدلاً من التقلب والحذر، فنطاق النتائج «مجهول معروف».

وبالنسبة لمديري الأصول، من الواضح أن مستوى الصدمات والمفاجآت غير السارة أصبح أقل مما كان عليه طوال عقود من الزمن، وهم يعتبرونها اليوم سمة من سمات خيارات الاستثمار العالمية.

وفي ضوء ذلك، وجد أحدث استطلاع شهري لمديري الصناديق من «بنك أوف أمريكا»، ولأول مرة منذ حرب أوكرانيا، أن تدهور الجغرافيا السياسية هو «الخطر الأكبر» الذي يهدد الاقتصاد.

ومن المحتمل لنفس السبب أن مراقبي المخاطر الجيوسياسية رفعوا مؤشرات الحذر لأعلى مستوياتها منذ أكثر من 18 شهراً أيضاً. ولكن، إذا كان ارتفاع أسعار الطاقة يُنظر إليه بوصفه الخطر الاقتصادي الرئيسي الذي سينجم عن اندلاع أزمة الشرق الأوسط، فالأسعار اليوم تثبت أن التكهنات بعيدة كل البعد عن الواقع.

لأنه وبعد قفزة قصيرة في أعقاب حرب إسرائيل على غزة الشهر الماضي، عكست أسعار النفط الخام بالفعل كل مكاسبها وتراجعت إلى أدنى مستوياتها منذ يوليو/تموز، وبنحو 23% في ستة أسابيع، فضلاً عن انخفاضات بنسبة 14% على أساس سنوي. بالتالي، تلعب الجغرافيا السياسية دوراً مهماً، ولكن ليس بالطريقة التي يتم التكهن بها عادةً.

وهناك إغراء آخر لأولئك الذين يشعرون بالقلق إزاء المناخ السياسي العالمي، وهو البحث عن الأصول التقليدية، مثل سندات الخزانة الأمريكية، والتحوط بها كملاذ آمن. لكن تبقى هناك بعض التوجيهات المتعثرة منذ حرب أوكرانيا، والتي دفعت البنوك المركزية لمحاربة التضخم الجامح بفعل ارتفاع أسعار النفط والغاز في ذلك الوقت. مع ذلك، وبعد ثلاث سنوات عصيبة، تميل السندات السيادية على نطاق واسع مرة أخرى لتكون الاستثمار المفضل المتوقع لعام 2024، خاصة أن المخاوف من الركود الدوري المعتدل وتراجع التضخم سمحت لأسعار الفائدة بالانقلاب أخيراً.

ولكن، بعيداً عن توصيف عوائد السندات المنخفضة على أنها هروب نحو الأمان، فإن انخفاض معدلات الاقتراض يرتبط الآن بشكل كبير بالرهانات الأكثر خطورة في الأسهم، وهو ما يتجلى مرة أخرى في ارتفاع بنسبة 10% في «وول ستريت» هذا الشهر، مع انخفاض تكاليف الاقتراض طويل الأجل نصف نقطة مئوية تقريباً على آمال خفض الفائدة. وقد تحدد التجاذبات الحاصلة بين الهبوط الاقتصادي الناعم والركود في العام المقبل المكان الذي تستثمر فيه في نطاق ائتمان الشركات، ولكن ربما تكون الخيارات الأكبر الآن هي البلد أو المنطقة التي تختارها.

في غضون ذلك، من شأن التوترات التي تطفو على السطح بين الولايات المتحدة والصين بخصوص تايوان، أن تعرض أسهم التكنولوجيا لضربة جانبية؛ لأن الرقائق ستصبح في هذه الحالة «نفط تلك المواجهة».

لكن على الرغم من تبادل القوتين العظميين فرض القيود والحواجز التنظيمية بينهما، حققت أسهم التكنولوجيا الأمريكية أفضل أداء لها طوال هذا العام، كما أدت «حروب الرقائق» إلى طفرات في الاستثمار المحلي وعززت الأمن الرقمي للبلاد.

أما بالنسبة للسباقين إلى البيت الأبيض والكونغرس العام المقبل، فإن النتيجة معلقة في الهواء، حيث يتنافس الرئيس الحالي جو بايدن وسلفه دونالد ترامب في العديد من استطلاعات الرأي. وبينما يرى أغلب المستثمرين أن عودة ترامب تتناقض مع الوضع العالمي الراهن، فمن غير المتوقع أن يتمكن أي من المرشحين من تحييد القلق الجيوسياسي بشكل عام.

ولذلك، أشارت «يو بي إس غلوبال ويلث» إلى أنه باستثناء الانهيار المصرفي لعام 2008، ارتفعت أسهم «وول ستريت» بأكثر من 13% وسطياً في سنوات الانتخابات الرئاسية منذ عام 1928. وأوصت المؤسسة المستثمرين بالتعبير عن تفضيلاتهم السياسية في صناديق الاقتراع وليس من خلال محافظهم الاستثمارية، وأن على العملاء الاستعداد لنوبات من التقلبات ذات الدوافع السياسية والتفكير في التحوط. لكنها لا تزال تتوقع مكاسب صحية لكل من الأسهم والسندات على مدى 12 شهراً.

وعلى الرغم من اقترابنا من نهاية عام صعب آخر، أصبحت خلاله تقلبات السندات أعلى من متوسطها على مدى 20 عاماً، لم يلامس الخطر نصف قمم التذبذب المصرفي لشهر مارس/آذار الفائت.

وتبدو نوبات التقلب معتدلة بشكل لافت للنظر حتى الآن. فمؤشر «فيكس» لتقلبات الأسهم الأمريكية أقل حالياً بخمس نقاط من المتوسط التاريخي البالغ 19 نقطة، وحتى عقوده الآجلة تحوم حول ذلك.

وعليه، يعتقد «باركليز» أن الأسهم سوف تتفوق على الدخل الثابت العام المقبل، وبأن المخاطر السلبية التي يتعرض لها الاقتصاد العالمي تضاءلت إلى حد كبير. ومع حالة عدم اليقين السياسي هذه، ربما يكون تسعير السوق بحد ذاته هو الذي ينطوي على أكبر المخاطر.

بدورها تخشى ميليسا براون من شركة «Axioma» الاستشارية للمخاطر، حدوث ضربة ثلاثية تتمثل في «التقلبات المنخفضة»، و«انخفاض حجم التداول»، وتراجع مكاسب أسهم التكنولوجيا، بالإضافة إلى الارتباطات العالية بين الأسهم التي تكشف عن المخاوف الكلية وارتباك المستثمرين الذي يجعل التنويع الآمن بين المحافظ صعباً.

إذن، في حال لم تنخفض أسعار الفائدة بسرعة لتجذب ما قيمته 1.4 تريليون دولار من الصناديق النقدية هذا العام، فإن الضغوط الجيوسياسية المستمرة وعام الانتخابات سيرفعان السقف أمام جميع الاستثمارات، فضلًا عن تأثير ذلك إلى حد كبير على الدين العام.

* (رويترز)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p9t434w

عن الكاتب

محرر الأسواق المالية في «رويترز»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"