بناء الثقة في زمن الأكاذيب

01:06 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. محمد السعيد إدريس

قبل خمسة أيام فقط من انعقاد القمة الأمريكية – الصينية في سان فرانسيسكو بين الرئيسين جو بايدن وشي جين بينغ، كان وزيرا الخارجية والدفاع الأمريكيان أنتوني بلينكن ولويد أوستن يلتقيان في العاصمة الهندية نظيريهما في الهند، ضمن محادثات «اثنين زائد اثنين» والهدف قاله بوضوح شديد بلينكن «هو تعميق شراكتنا، وتعميق تعاوننا في كل شيء، بدءاً من التقنيات الناشئة إلى الدفاع إلى العلاقات بين الشعبين». أما الهدف الأهم الذي لم يصرح به بلينكن فهو أن «الزيارة رسالة مبكرة للزعامة الصينية مفادها أن واشنطن أقرب ما تكون إلى الأراضي الصينية»، حيث الحدود الهندية الطويلة والمتسعة مع الصين، وحيث الشراكة الاستراتيجية بين واشنطن ونيودلهي، إضافة إلى أستراليا واليابان ضمن ما يعرف ب «التحالف الرباعى» (كواد) الذي يستهدف احتواء الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وقبل هذا اللقاء بيوم واحد كان الجنرال تشارلز فلين القائد العام للقوات البرية الأمريكية في المحيط الهادئ (تضم أكثر من 100 ألف جندي أمريكي) يحذر من أن القوات الصينية «تعتمد مساراً مقلقاً من حيث القدرات، وتُظهر سلوكاً أكثر عدوانية» في منطقة المحيط الهادئ.

مؤشرات كانت تؤكد أن أجواء لقاء القمة الأمريكية - الصينية كانت محفوفة ب «انعدام الثقة والحذر» من الصين، وكانت تتوافق مع الطلب الذي تقدم به عدد من المشرعين في الكونغرس الأمريكي بأن يضغط بايدن على الزعيم الصيني في قضايا التجارة والاقتصاد وحقوق الإنسان، محذرين من مواصلة تقديم تنازلات أمريكية متكررة لبكين، وضرورة اتخاذ نهج أكثر صرامة، كما طالبوا بمواجهة القوة الاقتصادية والعسكرية المتنامية للصين، ووقف الاعتراضات غير الآمنة للسفن والطائرات الأمريكية في المياه الدولية.

التحذير الأمريكي الأهم جاء من «كريستوفر راي» رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي. فقد اتهم الصين بأنها «التهديد المحدد لهذا الجيل» وزاد في حديث مع شبكة «سي بي إس نيوز» أنه لا توجد دولة أخرى تمثل «تهديداً أوسع وأكثر شمولاً لأفكارنا وابتكاراتنا وأمننا الاقتصادي، وفي نهاية المطاف أمننا القومي أكثر من الصين».

كل هذا كان يعني أن أجواء القمة، من المنظور الأمريكي «لم تكن مواتية، ولم تكن كذلك أيضاً من المنظور الصيني». فقد ردت بكين بتصعيد تدريباتها العسكرية حول تايوان، ووجهت «تحذيراً صارماً» للجزيرة، واعتبرت أن هذه الزيارة «مثيرة للمشاكل».

رغم كل ذلك، خرجت القمة ب «توافقات» مهمة رغم جدية «المصارحات» من جانب الطرفين، سواء ما يخص تقييم كل طرف للطرف الآخر أو ما يخص مطالب كل طرف من الطرف الآخر، وخرج الرئيس الأمريكي ليقول إن القمة «كانت مثمرة وبناءة». وبينما دعا بايدن إلى «منع تحول التنافس إلى صراع»، أي أنه يرى أن ما بين واشنطن وبكين «تنافس»، فإن الرئيس الصيني عبر عن رغبته في «الحوار»، وقال «لا يمكن لدولتين كبيرتين مثل الولايات المتحدة والصين أن تدير كل منهما ظهرها للأخرى.. النزاع والمواجهة لهما عواقب لا تطاق». وما بين دعوة بايدن ل «تأمين إدارة التنافس» مع الصين، ودعوة شي إلى تأمين «الحوار» مع الولايات المتحدة، جاءت المحصلة النهائية تقول إن ما يجمع الطرفين الآن هو حاجة مشتركة إلى «بناء الثقة»، أو بالأحرى «العودة إلى بناء الثقة» بينهما.

القمة كانت مفعمة بالمصارحات والمطالب، وحققت بعض النجاحات والتوافقات. فإذا كان الرئيس الصيني طالب واشنطن بالكف عن تسليح تايوان، مؤكداً «حتمية» إعادة الجزيرة إلى البر الصيني، فإن الرئيس الأمريكي طالب باستئناف المحادثات العسكرية بين الطرفين، كما طالب ب «إبقاء خطوط الاتصال مفتوحة بين البلدين، بما فيها الاتصالات بين الرئيسين». كل هذا يعني أنه قد تم «نزع فتيل المواجهة بين الطرفين، والطموح إلى بناء الثقة والحوار»، لكن يبقى السؤال عن كيفية حدوث ذلك في ظل إدراك متبادل أن الطرفين يعيشان في «زمن الأكاذيب»؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3jndddjj

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"