راشد محمد النعيمي
ما يحدث في البر والمناطق الصحراوية حالياً هو أبعد ما يكون عن المتعة وتغيير الجو واستقبال الأجواء الشتوية والخروج في نزهات لتجديد النشاط وتذوق جمال الطبيعة عند كثير من الشباب، الذين حولوا ذلك إلى سباق للموت والانتحار وإلقاء النفس إلى التهلكة، عبر تصرفات طائشة لا تقيم وزناً لحياتهم وحياة غيرهم.
مع انطلاقة كل موسم وبدايته نفجع بحوادث مميتة، سببها تلك الفوضى التي تحدث والتي يفترض الجميع أن من حقهم القيام بما يشاؤون وأن على الآخرين إفساح المجال لهم وأن المكان هناك في الصحراء حيث لا دوريات شرطة ولا قوانين طرق ولا إشارات مرور ولا مسارات منظمة ولا رادارات، ما يعني أن بإمكانك أن تصنع ما تشاء، وأن تستعرض قوة سيارتك أو دراجتك كما تشاء، وهو الأمر الذي أدى إلى ما آلت إليه الأمور واستوجب رد فعل من الجهات المختصة بإغلاق بعض تلك المواقع.
للأسف هذا السلوك المتطور على مر السنوات ما يزال قائماً، ليس عند الكبار المتمرسين بل انتقل إلى الصغار والمراهقين الذين صنفوا البر على أنه مخصص لهذا النوع من النشاط والفعل، وأباحوا لأنفسهم تحت سمع ونظر أهلهم تقليد الأفعال البهلوانية، وتخصيص سيارات أو دراجات معدلة ومجهزة بمحركات سرعة مسلحة بأحصنة إضافية وإطارات ضخمة وأصوات تحطم جدار الصوت بهدير لا يتوقف يحرم كثيرين من متعتهم.
هؤلاء أنفسهم الذين رصدوا أموالاً وخصصوا وقتاً لاقتناء تلك الأدوات ونقلها وركوبها وصيانتها وتصليحها، بخلوا على أنفسهم بارتداء خوذة رأس أو أدوات سلامة أو لباس واق، وتحرروا من كل قانون قيادة، فوجدوا أنفسهم فجأة طرفاً في مأساة مؤلمة تتداولها أجهزة الهواتف في مشاهد تفطر القلب وتطلق سؤالاً لا يتوقف صداه في الآفاق يكرر: لماذا ولماذا ولماذا؟
لماذا يحدث كل ذلك ويتكرر، رغم أن العبرة حاضرة تقع كل يوم، لكن التفكر فيها مؤقت لا يستغرق إلا دقائق معدودة سرعان ما تتلاشى ليعود الفعل والفاعل إلى المشهد وكأن شيئاً لم يكن، بل ويتعامل كثيرون منهم مع تلك المشاهد المؤلمة كأنها جزء من فيلم سينمائي لا يتطلب سوى رد فعل بسيط لثوان معدودة.
في مسألة الاستعراضات العشوائية التي تجري في المناطق الرملية نحتاج إلى وقفة لتقييم الأمور وإعادة النظر من جميع الأطراف، سعياً لمعالجة الوضع قبل أن نستقبل الشتاء كل مرة بضحايا وحوادث مفجعة، ونزرع في نفوس الجميع سلوكاً ثابتاً لا يهتز ولا يتضعضع وهو أن الالتزام والقيادة الوقائية والحرية الشخصية واحترام الآخرين وصون أرواحهم لا يفرق بين طريق محكوم بضبط مروري وبين آخر بين تلال رملية.
أرواحكم غالية فلا تحولوها إلى لعبة في لحظة طيش.