تمويل البيانات في الصين

21:20 مساء
قراءة 3 دقائق

وي هونغ شيو*
ولّد التقدم السريع للعصر الرقمي في الصين خلال السنوات الأخيرة، كميات هائلة من موارد البيانات التي مهدت الطريق لمزيد من التطور داخل الاقتصاد الرقمي نفسه. وعلى غرار استخدام موارد الأراضي، يمكن أن يصبح استخدام موارد البيانات عنصراً أساسياً في الاقتصادات والتمويل المحلي.

وطرح البروفيسور تشو يانغ يونغ من جامعة فودان مفهوم «تمويل البيانات» لأول مرة عام 2015، مشيراً إلى أنه مع استمرار العقبات التي تعانيها عمليات تمويل الأراضي في الصين، فقد حان الوقت المناسب لإطلاق موارد البيانات الحكومية وإنشاء تمويل خاص بها. وعلى عكس الأرض، لا يتناقص استخدام البيانات بمرور الوقت، فهي مستمرة في الزيادة. ولذلك، فإن تفعيل موارد البيانات وتمويلها بالشكل الصحيح يمكن أن يكون وسيلة فعالة لتطوير استخدام موارد البيانات الحكومية وجلب دخل ملموس لها، وبالتالي تعزيز قيمتها كأصل ثابت آمن. وهذا بدوره يحفز تطوير الاقتصاد الرقمي، مع فوائد كبيرة أوسع.

ومع قدوم فترة «اقتصاد ما بعد الأرض»، يواجه نموذج تمويل الأراضي الذي تشكل خلال العصر الذهبي للعقارات تحديات جمّة. حيث تستكشف الحكومات المحلية في البلاد طرقاً بديلة لجني الإيرادات تتجاوز الضرائب ودخل الأراضي. وفي هذا السياق، يمكن القول بأن الضغط المالي يوفر دافعاً عملياً وعاجلاً للحكومات المحلية لتعزيز تطوير صناعة البيانات.

في عام 2022، بلغت صناعة البيانات في الصين 1.57 تريليون يوان صيني، ما مثل نمواً بنسبة 18% على أساس سنوي، معززاً تطوير الاقتصاد الرقمي للبلاد. ووفقاً للباحثين، فإن بكين في وضع متقدم عموماً عندما يتعلق الأمر بتطوير سلسلة الصناعة المتعلقة بالبيانات. فضلاً عن ترويج العديد من المدن بنشاط لبناء مراكز البيانات وتشجيع تطوير صناعتها. فمن ناحية، ينبع هذا من إدراك الحكومة للإمكانات الهائلة فيما يخص التنمية المستقبلية لصناعة البيانات محلياً، وتسعى لتأمين الدعم اللازم لها. ومن ناحية أخرى، تعظيم الأهمية التي تجلبها معها البيانات العامة وقيمتها كمورد في الاقتصاد الرقمي.

مع ذلك، وبما أن صناعة البيانات لا تزال في مراحلها الأولية، مع وجود نماذج غير ناضجة، فإن إدراك قيمة مواردها يواجه عقبات كبيرة، مما يجعل من الصعب على الحكومات المحلية جني العوائد على استثماراتهم الكبيرة. ولذلك، فهم يأملون بتحقيق الدخل من هذه الاستثمارات من خلال وسيلة تمويل ممنهجة.

يواجه التطور الحالي لصناعة البيانات العديد من نقاط الخلاف والعقبات، كما أنه محفوف بالعديد من الشكوك. ومع مرور الوقت، تمتد التحديات لما هو أبعد من مجرد الحصول على المصادر، وصولاً إلى تطويرها. وفي الآونة الأخيرة، وبفضل زخم «تشات جي بي تي»، بدأت الأبحاث حول نماذج الذكاء الاصطناعي في الصين تكتسب المزيد من الاهتمام، ولا يزال هناك قدر كبير من الموارد في الأنشطة الاقتصادية التي لم تتم رقمنتها بعد.

وفي حين بدأت محاولات تداول البيانات، إلا أن حجم المعاملات لا يزال ضئيلاً. وتتكشف المزيد من العقبات من القيود المفروضة على تطوير الموارد وتطبيقها، ما يحول دون الإدراك الكامل لقيمتها. وفي نموذج التنمية الحالي غير الناضج، فإن الضغط من أجل تمويل البيانات للحصول على دخل إضافي لن يزيد عبء التكاليف الاستثمارية في تطبيقات البيانات فحسب، بل سيؤدي أيضاً، بسبب احتكارات البيانات، إلى خنق العديد من الابتكارات والمعارف، مما يعيق عملية الرقمنة الصناعية. ولذلك، فإن الدعوة إلى تمويل البيانات لدفع عجلة تطوير الصناعة والنهوض بالاقتصاد الرقمي، لا ينبغي أن تتجاهل الآثار السلبية المحتملة في الاقتصاد.

وفي الوقت نفسه، فإن إحدى القضايا الأساسية في تمويل البيانات هي تحويلها إلى أصول. لكن، مع استمرار الحاجة الماسة إلى تحسين استخدام البيانات، تواجه هذه الموارد عقبات من حيث التسعير، والتوحيد القياسي، والتداول، مما يجعل من الصعب إثبات الملكية الحصرية. وتتطلب هذه الخصائص الجديدة الدمج المستمر على مستوى البنية التحتية القانونية والمالية.

وحتى إدخال البيانات إلى النظام لا يزال في مراحله الأولية من التجريب. ولذلك، فإن الضغط من أجل عمليات نقل الحقوق المختلفة، بالإضافة إلى أن أساس أصول البيانات قد يكون سابقاً لأوانه إلى حد ما. وإلى أن تعمل الحكومات المحلية على تعزيز تمويل البيانات، لا تزال هناك العديد من المهام الأساسية التي يجب إنجازها، مع خلق توازن عقلاني في العلاقة بين المكاسب القصيرة والطويلة الأجل.

وعلى الرغم من انكماش تمويل الأراضي والتطور السريع للاقتصاد الرقمي الصيني، إلا أن التطور العملي لصناعة البيانات لا يزال في مراحله الأولى، ولم يُظهر السوق بعد نفس المستوى من الحماس الذي أظهرته الحكومة. بالتالي، يلزم اتباع نهج معقول وحذر عند التعاطي مع آلية تمويل البيانات ومساهمتها المستمرة في الإيرادات المالية.

*باحث في «أنباوند»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/47wybz5s

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"