الصلب وإزالة الكربون

21:33 مساء
قراءة 4 دقائق

كريس باتاي*
وضع ثاني أكسيد الكربون صناعة الحديد والصلب تحت الأضواء، لما تحمله معها من مساهمة مباشرة في تغير المناخ. ويمثل الصلب (سبائك الحديد والكربون) وحده نحو 8% من الانبعاثات العالمية السنوية من الغاز السام، وأكثر من 10% إذا أضفنا الانبعاثات الناتجة عن الصناعة من توليد الكهرباء وتعدين الفحم.

ولحسن الحظ أنه أصبح من الممكن فنياً ومن المجدي اقتصادياً العمل على إزالة كل ثاني أكسيد الكربون المنبعث من الصلب وتنظيفه بحلول منتصف القرن. لكن التقدم المنشود لن يحدث بدون دفعة سياسية مستهدفة من جانب الحكومات العالمية.

ولأجل ذلك، يجب أولاً تحديد المصدر الأساسي للانبعاثات، حيث أكثر من 80% منها يُنتج من المرحلة الأولى للتصنيع، وهي مرحلة استخراج خام الحديد الذي يتكون إلى حد كبير من الحديد والأكسجين، وفصل الأكسجين كيميائياً. والعنصر الرئيسي المستخدم هنا هو الفحم، الذي يولد بطبيعة الحال كميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون.

ومن الطرق الأخرى لخفض الانبعاثات الناجمة عن الصناعة تجنب الخطوة الأولى تماماً من خلال إعادة تدوير المزيد من منتجات الحديد والصلب مقارنة بما نقوم به حالياً. وبينما يتراوح معدل إعادة تدوير الحديد والصلب بين 80% إلى 90% في الولايات المتحدة، وأكثر من 80% على مستوى العالم، تظل الحقيقة أن الفولاذ قابل لإعادة التدوير بنسبة 100%. وإعادة تدوير كل ذلك يعني دفع المصممين إلى صنع منتجات يسهل تفكيكها، وإزالة الأسلاك النحاسية والملوثات الأخرى بسهولة أكبر.

وهناك عامل مهم آخر يتمثل بكفاءة استخدام المواد الأساسية، وذلك من خلال خفض المهندسين المعماريين ومهندسي الإنشاءات كميات الفولاذ في تصميماتهم. وهنا تلعب الحكومات، أكبر مشتر للبنية التحتية، دوراً واضحاً. والأمر نفسه ينطبق كذلك على شركات تصنيع السيارات.

ومن الممكن أن يصبح الصلب النموذج المثالي للاقتصاد الدائري، ولكن فقط إذا قدمت الحكومات سياسات تستهدف كل خطوة في سلسلة توريده. وتضيف إعادة التدوير وكفاءة المواد تعقيدات مادية ولوجستية وإدارية، وهو ما يعني ضمناً أن الصناعات لن تتبناها تلقائياً، حتى لو أدت إلى خفض التكاليف في نهاية المطاف. وهذا يعني أيضاً تحسين قوانين البناء وسبل تصنيع المركبات (مع مراعاة المقايضات الأكبر مع مواد أخرى، بما في ذلك الزجاج والإسمنت والمعادن مثل الألمنيوم)، بالإضافة إلى إجبار مستهلكي الصلب على إعادة تدوير كل الخردة.

وسوف تتطلب إزالة الكربون من الجيل القادم من مصانع الحديد والصلب نوعاً مختلفاً من الدعم الحكومي لتمكين استثمارات رأسمالية جديدة وضخمة. وهذه ليست بالمهمة الصغيرة. إذ يجب علينا استبدال الأفران المرتفعة القديمة وأفران الأكسجين الأساسية باعتبارهما العمود الفقري لإنتاج الحديد والصلب.

وعندما يتعلق الأمر بتحويل الحديد إلى فولاذ، فإن الأفران الكهربائية المقوسة تعد حلاً فعالاً، وتمثل الآن أكثر من 70% من إنتاج الصلب في الولايات المتحدة، مقارنة ب 15% في عام 1970 وأقل بقليل من 50% في عام 2000. ولتحل محل الأفران المرتفعة التقليدية التي تستخدم الفحم، هناك خياران مطروحان على الطاولة اليوم: الأول وجود أفران تعتمد على الهيدروجين منخفض الكربون لنزع الأكسجين من خام الحديد والخيار الثاني العمليات الكهروكيميائية الجديدة التي يمكنها فعل ذلك بالكهرباء.

وتمثل الأشكال المختلفة للخيار المعتمد على الهيدروجين (الذي تم تطويره لأول مرة في السبعينات) حالياً 5% من إنتاج الصلب العالمي، لكنها لا تزال أكثر تكلفة من الأفران العالية التقليدية. وتبلغ التكاليف المضافة نحو 200 إلى 300 دولار عن كل طن من ثاني أكسيد الكربون الذي يتم تجنبه، وهو ما يعادل ضعفين إلى ثلاثة أضعاف سعر الكربون السائد في أوروبا، وأعلى كثيراً من أسعار الكربون في أي مكان آخر تقريباً. ورغم أن هذه الأسعار قد تكون مبررة من منظور مناخي، فإن الأمر لا يزال يتطلب تدخلات سياسية لجلب الأسواق إلى المسار الصحيح.

في المقابل، وبينما قد تستفيد عملية تنظيف الصلب من ارتفاع أسعار الكربون بشكل مستدام، فإن ما نحتاج إليه حقاً هو استراتيجية سياسية أضخم وأكثر استهدافاً. وتتمثل المهمة العاجلة في بناء الموجة الأولى من المحطات ذات الانبعاثات القريبة من الصفر حتى تصبح المعيار الجديد.

وفي ضوء ذلك، يتعين على صناع السياسات التدخل لدعم المزيد من التقنيات الخضراء التي تتيحها بعض المصانع، مثل مصنع «إتش2 غرين ستيل» المتكامل للصلب الذي يجري بناؤه في السويد ويستخدم الهيدروجين النظيف. وعليهم أن يذهبوا إلى ما هو أبعد من السياسات المناخية الأساسية التي تشمل الاقتصاد بالكامل، والتركيز على توفير الكهرباء منخفض التكلفة والكربون، وعلى خفض التكاليف الرأسمالية للتكنولوجيات الجديدة.

وهنا، يساعد قانون خفض التضخم في الولايات المتحدة على تحقيق الهدف الأول لكنه لا يرقى إلى مستوى دعم تقنيات تصنيع الحديد الثورية بشكل مباشر، لأنه يدعم أبحاث الهيدروجين واحتجاز الكربون بدلاً من صناعة الحديد والصلب المنخفض الانبعاثات على نطاق أوسع.

*باحث في مركز سياسات الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا «بروجيكت سينديكيت»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2a4nek98

عن الكاتب

باحث في مركز سياسات الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا «بروجيكت سينديكيت»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"