حصاد الحروب.. خسائر للجميع

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

في الحروب الكل خاسر، ودائماً تتجاوز الخسائر المنطق، بل والخيال، وتتجاوز الأطراف المتحاربة إلى الإقليم، بل والعالم كله. خسائر الحرب الغربية الروسية في أوكرانيا لم تنل من الأطراف المتصارعة فقط، ولكنها امتدت إلى مختلف دول العالم، وخلّفت أزمات غذائية واقتصادية واجتماعية، على مساحة الكوكب.

خسائر حرب غزة التي نتابع مشاهدها الدامية يومياً تتجاوز خسائر أي حروب حدثت في العالم، خلال العقود الماضية، ولا تتمثل الخسائر في الأرواح التي أزهقتها آلة الحرب التي لا تفرق في أهدافها بين المدنيين والمقاتلين، ولا بين الأطفال والشيوخ أو النساء والشباب من الفلسطينيين الذين تجاوزوا حتى الآن أعداد ضحايا جميع الحروب الإسرائيلية الخمس على غزة، ولا في أعداد المصابين الذين تحول كثيرهم إلى عجزة، ولا في المفقودين تحت الأنقاض الذين لا يعرف أحد لهم عدداً، ولا في المنازل والمنشآت التي تساوت بالأرض.

خسائر الحرب على غزة لا تقف عند الإحصاءات اليومية للضحايا التي نسمعها من هذا الجانب، أو ذاك، ولا تقتصر على ما نشاهده على الشاشات من تخريب وتدمير، ولكنها تتجاوز ذلك بكثير، فما يستطيع المراسلون والمؤثرون على السوشيال ميديا تصويره ونقله، قليل من كثير، والمستتر من الخسائر أكثر من المعلن، والثمن ليس ما تدفعه الأجيال الحالية فقط، بل وما ستدفعه الأجيال المقبلة، من خسائر اقتصادية ستلقي بظلال قاتمة على حياة الناس، وعملية إعادة إعمار غزة ستستغرق عقوداً. أما بالنسبة إلى إسرائيل، فسوف تدفع ثمناً اقتصادياً باهظاً بعد أن بدأت بالفعل، مرحلة الانكماش الاقتصادي، ولن تنقذها القروض ولا المعونات الأمريكية التي ستقف عند حدّ معيّن. وأفادت تقارير رسمية بأن وزارة المالية الإسرائيلية تتوقع أن تبلغ كلفة الحرب 55 مليار دولار.

إسرائيل تتحدث عن نزع «الإرهاب» من غزة، كأنها لا تعلم أن ما تفعله اليوم سيضاعف العنف تجاهها في الداخل الفلسطيني، والجوار، والعالم كله، فالعقاب الجماعي لن ينتج أمناً، ولا استقراراً، ولكنه سيضاعف الكراهية والحقد، ويزعزع الاستقرار، وهو ما فطن إليه مئات الآلاف من الإسرائيليين الذين قرروا الهجرة منها، بلا عودة. هناك فئات إسرائيلية اختارت الهروب، وفئات أخرى اختارت التطرف، وبدأت تمارس العنف على سكان الضفة الغربية.

وسيستمر الجميع في إسرائيل يدور في حلقة مفرغة من العنف والتطرف، ما يجعل السلام المنشود هدفاً مستحيل التحقق، ويفرض توريث الصراع من جيل إلى جيل. لقد بدأت الحرب تلقي بظلالها القاتمة على اقتصادات الدول المجاورة، بعد أن انخفضت حركة السياحة بشكل ملحوظ، كما أنها خلقت انقساماً عند الرأي العام في معظم دول العالم، وبدأت ترفع حدة الكراهية، وصدرت تقارير تفيد ببدء موجة جديدة من العنف تجتاح أوروبا، وجرائم كراهية تتمدد في أمريكا؛ كما أن شعبية بعض الأحزاب، وبعض الزعماء في العالم، بدأت تهتز، وفي المستقبل، سوف تختفي شخصيات من المشهد، وتظهر شخصيات أخرى، بل وليس مستبعداً أن تتسبب حرب غزة بتغيير خريطة التحالفات العالمية.

mahmoudhassouna2020@gmail

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/d4fjjajs

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"