قيم الحب والإيثار والفروسية والشجاعة والكرم كانت حاضرة بقوة في المسرحية الأردنية «منيفة»، التي عرضت مساء الأحد ضمن عروض مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي في دورته السابعة، والعمل لفرقة المسرح الأردني، وهو من تأليف أحمد الطراونة وإخراج فراس المصري، ومن بطولة: كرم الزواهرة، معتصم فحماوي، طارق الشوابكة، غادة عباسي، أريج دبابنة، محمد أبو دية، رناد ثلجي، هاني الخالدي، إياد شطناوي، ومنذر خليل. وقام محمد المراشدة بتصميم وتنفيذ الإضاءة، زاهي حمامرة فني الصوت، أما علاء ربابعة فقام بمهام مساعد مخرج ومدير خشبة وخدع بصرية.
ترصد حكاية «منيفة» بحسب نص الطراونة مجموعة من القيم النبيلة التي يعيشها أهل الصحراء وأبناء البوادي رغم شظف العيش وقسوة الحياة وفقر الموارد، وهم يصرون على التمسك بهذه القيم التي يعيشونها كل يوم، ويورثونها لأبنائهم من بعدهم، غير أن الحبكة الرئيسية في هذا العمل تدور حول قصة حب «منيفة وفهد» وهي قصة تستند إلى حكاية من حكايات البادية الأردنية التي يتجلى فيها العشق واضحاً، ومن خلاله يجالد العاشق من أجل الوصول إلى معشوقته، بل هو يعاند الطبيعة بكل جبروتها، ويقف في وجه كل من يعيق هذا الحب، وهي قصة تحدث كل يوم وبأشكال وظروف مختلفة.
في هذه الحكاية، يصور نص العمل أقصى حالات الوجد التي يعيشها فهد، حيث يستولي الحب على قلبه، فيصبح عاجزاً أمامه، فيرى حبيبته هي أجمل ما هو موجود، رغم ما يمكن أن يرى الآخرون في هذه التجربة من عيوب ونواقص.
- *حدوتة
تأتي منيفة، إلى مضارب قبيلة «أبوفهد» مع والدها الشيخ الذي ترك أفراد قبيلته وأهله، ليبدأ رحلة تجارة لكنه في الطريق يتعرض إلى الغزو من قطاع الطرق الذين يأخذون كل ما لديه، ويتركونه مع ابنته هائمين في الصحراء، وهنا، تحاول منيفة أن تعيد والدها إلى قبيلته، لكنه لا يقبل حتى لا يشعر بالهوان أمام ربعه، فيفكر في الذهاب إلى قبيلة أخرى ليعمل عندهم «راعي غنم» أو «قهوجي» فيصل إلى عرب أبو فهد، ويقبل «أبو فهد» تشغيله بعد أن يمتحنه كراع للإبل، ورغم ذلك، يلاحظ «أبو فهد» أن هذا الراعي يمتاز بخصال مميزة من التزامه بالقيم على أصولها كما يلحظ فيه فروسية ونبلاً، وفي هذه الأثناء يكتشف فهد «ابن الشيخ» جمال ابنة الراعي منيفة، فيقع في عشقها ويتوه في جمالها، وهنا تتطور الحكاية عندما يرفض والده أن يتزوج ابنه من ابنة الراعي، وهنا، يقرر الشيخ «أبوفهد» أن يرحّل الراعي وابنته من خلال مكيدة يرتبها مع أخيه عم فهد، ووالد «شوفة» التي تحلم بفهد ابن عمها، ويقرران تزويج فهد لشوفة بعد أن ترحل «منيفة».
يأخذ الراعي غنماً وحلالاً كثيرة من والد فهد مقابل رحيله، ويعود لأهله معززاً ومكرماً، لكن فهد يصاب بالجنون بعد أن يكتشف رحيل منيفة.
يتزوج فهد شوفة رغماً عنه، لكنه يطلقها في ليلة الدخلة ويهرب للبحث عن منيفة.
يبدأ فهد رحلة البحث عن منيفة، حتى يجدها بعد معاناة، ثم يعرف أنها ابنة الشيخ نواف، أو الراعي شبيب، فيصر على الزواج بها رغم أن مهرها كان حل لغز كبير ومهم تقوله منيفة أمام الجميع.
واللغز هو: يا راكب اللي يسبق الطير لا خف / من فوق راس نايفة له وحيفه / ارفع على ارفع لترى الريح مختص / ولا شاف عين في عيون كسيفة.
بدوره يقوم فهد بحل اللغز منشداً الأبيات التالية:
يا ناشدة عن قلبه بصاحبه رف / فالك يسابق ريح وبقلبه رفيقه / ذاك الفهد عقبك دمه بعرقه جف / والبيت مشرع دوم ياسع الغيبة.
بعد ذلك، يتزوج فهد منيفة وسط فرحة الأهل والأحبة، حيث حرص مخرج العرض على أن يبرز أجواء هذا الفرح والابتهاج من خلال فن السامر المعروف، وهو الفن المتوارث من جيل إلى جيل بكل ما فيه من دلالات ورموز تترجم مثل هذه الأجواء السارة.
- *خلفية
تشترك الصحراء الأردنية إلى حد كبير مع الصحارى العربية على امتدادها في العديد من القيم والعادات والتقاليد، وهذا يرجع إلى أن حياة البادية العربية تعيش نفس الظروف، ومن هنا فإن أغلب حكايات البادية أيضاً تتقاطع ببساطتها وقدرتها على حمل القيم الأصيلة والعادات المتشابهة، وفي هذا العمل التقى الحب مع الحرمان، والخوف مع الأمن، والقوة مع الضعف، وكلها تم توظيفها في سياقاتها الطبيعية، هذا الأمر يؤكد أن حياة البادية لم تكن فارغة كما يعتقد البعض، بل كانت مليئة بكل المشاعر الإنسانية، وهذا ما ظهر جلياً في هذا العمل.
- *مسامرة
في ختام العرض عقدت مسامرة نقدية بحضور كاتب ومخرج العمل والفنانين: محمد العبادي نقيب الفنانين الأردنيين، ومحمد الضمور، والناقد المسرحي د. عصام عبد العزيز والناقد المسرحي د. رشيد كريم وغيرهم.
أشاد محمد الضمور في بداية حديثه بفكرة مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي الذي يقدم شكلاً غير معهود من المسرح العربي يسلط الضوء على قيم وعادات البادية التي تتشابه في كثير من الدول العربية. كما أشاد بفكرة نص «منيفة» وما يحمل من مدلولات ثقافية وقيمية، هذا النص الذي غاص في أعماق البادية وقدم حكاية اجتمعت فيها كثير من الإيجابيات كالشجاعة والحب والتضحية، فسلط الضوء عليها كما كشف عن تلك القيم السلبية بغرض تعريتها ونبذها من حياة البادية.
كما أشاد الضمور بمخرج العمل وطاقمه من ممثلين وكوادر فنية، في عرض مدته 40 دقيقة ومن خلال جمل بسيطة مفهومة للجميع، حيث ابتعد النص عن التقعير، وقدم بلغة بيضاء بسيطة حكاية مفهومة في كافة أنحاء البادية في الشمال والوسط والجنوب.
وقد أشاد المتدخلون بقدرة المخرج على اختيار تقنية تتناسب مع المكان بين الجبال والتلال والسهول، حيث مال المخرج إلى استخدام لغة سينمائية ومشهدية، كما وظف الماكياج والملابس والألوان بطريقة تتناسب مع هذه البيئة، كما أثنوا على محمد المراشدة وقدرته على استثمار الإضاءة التي أضافت إلى جمال الطبيعة وحلت محل الديكور في أحيان كثيرة، في حين أشاد متدخلون آخرون بالموسيقى واستخدام الأغاني التراثية التي شكلت إضافة نوعية أضاءت على فكرة العمل.