تركيا - اليونان.. توقعات غير واقعية

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

عندما يشار في تركيا إلى العداء الغربي للأتراك، إنما تكون واجهة هذا العداء دولة اليونان نفسها وتابعتها جمهورية جنوب قبرص اليونانية. إذ كانت اليونان أولى القوى التي انهزمت أمام الأتراك العثمانيين، وكانت محطة «فتح القسطنطينية» عام 1453 ذروة المواجهة بين الطرفين. وغالباً ما كان الرئيس التركي الحالي، رجب طيب إردوغان، يشير إلى «العظمة» التركية عبر التذكير بمعركتين: الأولى هي فتح إسطنبول، والثانية هي موقعة ملاذكرد في عام 1070 تقريباً، وانهزم فيها البيزنطيون أجداد اليونانيين أمام السلاجقة الأتراك.

وكانت اليونان بدورها أولى القوى التي استقلت عن العثمانيين عام 1832، وعندما انهزمت الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، كانت أشرس معارك مصطفى كمال(أتاتورك) هي مع الجيوش اليونانية التي احتلت أجزاء من الساحل الغربي لتركيا، ومنها مدينة إزمير. وذاع صيت اتاتورك بانتصاراته العسكرية عام 1922 على اليونانيين، وتحرير تركيا منهم.

ومنذ ذلك الوقت أي منذ مئة عام تقريباً، كانت العلاقات التركية اليونانية نموذجاً للعلاقات العدائية بين دولتين، وشعبين، ومجتمعين، وكانت الخلافات من النوع الذي يصعب حلّه لتشابكه مع عوامل تاريخية، وجغرافية، ودينية، ومجتمعية، وسياسية، واصطفافية. وكان البلدان يصلان، أحياناً كثيرة، إلى حافة الحرب بسبب الخلافات بينهما على قضايا عدة، منها تسليح اليونان لبعض الجزر في بحر إيجة، بما يخالف الاتفاقيات بين الطرفين قبل مئة عام، والخلاف على الجرف القاري والمجال الجوي والمنطقة الاقتصادية الخالصة بينهما، ولا سيما في بحر إيجة حيث لا تبعد جزر يونانية كثيرة سوى بضع كيلومترات عن الساحل التركي.

يضاف إلى عناوين الخلاف التركية – اليونانية الموقف من الوضع في جزيرة قبرص، حيث تعتبر أثينا أن جمهورية قبرص اليونانية تمثل كل الجزيرة، فيما ترى أنقرة أن القبارصة الأتراك لا ينالون حقوقهم في دولة واحدة ويطالبون بالاستقلال.

ومع الوقت، لا سيما في حقبة حزب العدالة والتنمية، ازداد الخلاف بين أنقرة وواشنطن بحيث لم تعد تركيا الأطلسية بنظر الإدارة الأمريكية تلك الدولة التي يمكن الوثوق بها، أو يعتمد عليها في مخططات حلف شمال الأطلسي.

وألمح الرئيس التركي، أردوغان في عام 2016 إلى إمكانية إلغاء تركيا معاهدة لوزان لعام 1923، حيث تنازلت فيها عن العديد من الجزر رسمياً إلى اليونان، واسترجاع هذه الجزر.

وفي السنوات الأخيرة ارتفع التوتر بين البلدين بسبب الخلاف على حدود المنطقة الاقتصادية البحرية الخالصة بين الطرفين. ويصل الخلاف أيضاً إلى المياه الاقتصادية الخالصة لجمهورية قبرص، حيث ترفض تركيا أي نشاط للتنقيب عن النفط والغاز من جانب قبرص اليونانية. ووصلت الأمور إلى ذروتها عندما قال أردوغان في 23 مايو/ أيار 2022 إنه «لا وجود لرئيس وزراء اليونان ميتسوتاكيس في قاموسي، ولن ألتقي به مرة أخرى».

ومع ذلك في السياسة كل شيء ممكن، ولا يمكن التمسك باستحالة البدء بتفكيك الخلافات بين البلدين. غير أن الاتفاقيات الكثيرة التي وقّعت بينهما سبق أن وُقّع مثلها في أواخر التسعينات في عهد وزير الخارجية التركي إسماعيل جيم، رائد الانفتاح على اليونان.

لذلك، فنتائج اجتماع الرئيس التركي مع رئيس الوزراء اليوناني تحتاج إلى الانتظار.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3vxxv78w

عن الكاتب

باحث ومؤرخ متخصص في الشؤون التركية .. أستاذ التاريخ واللغة التركية في كلية الآداب بالجامعة اللبنانية.. له أكثر من 20 مؤلفاً وعدد من الأبحاث والمقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"