لم تعد كُلف شحن الحاوية الواحدة قياس 40 قدماً، كما في ال17 من ديسمبر/كانون الأول الجاري، هي ذات الكلفة في ال24 من نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وخاصة لتلك الشحنات البحرية المتوجهة، عبر الخط الملاحي من الصين وشرقي آسيا مروراً بقناة السويس باتجاه أوروبا ودول حوض المتوسط، مقارنة بالخطوط الملاحية الرئيسية الأخرى: عبر «الأطلسي» و«منطقة الهادئ».
ففي غضون أقل من 30 يوماً فقط، ارتفع متوسط شحن الحاوية ذات المنشأ الصيني أو الشرق آسيوي باتجاه أوروبا ودول بحر المتوسط، مروراً بمضيق باب المندب وقناة السويس- ارتفع بنسبة 62%، حيث وصل متوسط شحن الحاوية إلى 2414 دولاراً، كما في 17 من ديسمبر الجاري، مقارنة ب1493 دولاراً كما في ال24 من نوفمبر الفائت، بزيادة تمثل 921 دولاراً.
وبحسب بيانات ومؤشرات «بورصة البلطيق»، التي تقيس وترصد مستويات الشحن البحري، عبر أهم خطوط الشحن البحرية (منطقة الهادئ، قناة السويس، عبر المحيط الأطلسي)؛ فقد شهدت أسعار الشحن البحري ارتفاعاً متصاعداً لها عبر أبرز ممرات النقل البحري، وخاصة لتلك الشحنات التي تمر عبر البحر الأحمر ومضيق باب المندب وقناة السويس، ولعلها الأكثر تضرراً وارتفاعاً في كلف الشحن، نظراً لما تمر به الأحداث والتوترات الجيوسياسية في المنطقة المطلة على «باب المندب»، حيث ألقت بظلالها على قطاع الشحن البحري وعزوف شركات عالمية كبرى للمرور عبر المضيق، واختيارها قسراً، رأس الرجاء الصالح خياراً لا ثاني لها في ظل الأحداث الجارية باليمن.
- أسعار الشحن:
- 62 % ارتفاع تكلفة شحن حاوية من الصين إلى المتوسط
- 0.5 % زيادة بشحن الحاوية من «المتوسط» لشرق آسيا
- 256 دولاراً ارتفاعاً بشحن الحاويات من الشرق لأوروبا
- 148 دولاراً زيادة لشحنات «الشرق» عبر الهادئ لأمريكا
- 49 % ارتفاعاً لحاوية من أمريكا عبر «الأطلسي» لأوروبا
وارتفع سعر شحن حاوية 40 قدماً، إلى 1670 دولاراً، في الأسبوع المنتهي في 1 ديسمبر الجاري، وواصلت صعودها إلى 2161 دولاراً، كما في الأسبوع المنتهي في 8 ديسمبر2023، لتصل إلى 2414 دولاراً كما في 17 الجاري.
- السويس- البحر الأحمر
ولناحية الخط الملاحي الرابط بين شرقي آسيا والصين، مروراً بالبحر الأحمر وقناة السويس باتجاه أوروبا، شهدت أيضاً ارتفاعاً كبيراً في أسعار الشحن بنسبة 21%، تعادل 256 دولاراً.
حيث وصل متوسط سعر شحن الحاوية في هذا الممر البحري إلى 1467 دولاراً في 17 الجاري، مقارنة ب1211 دولاراً كما في 24 من نوفمبر الماضي، مروراً بسلسلة صعود بدأت في مطلع الشهر الجاري عند 1243 دولارا، و نحو 1467 دولارا، كما في ال8 من الشهر نفسه.
كذلك ارتفع سعر شحن الحاوية القادمة من دول البحر الأبيض المتوسط عبر السويس، مرورا بباب المندب، باتجاه شرقي آسيا والصين بنسبة طفيفة 0.5%، تعادل ارتفاعا دولار واحد فقط، لتصل إلى 194 دولارا، كما في 17 الجاري، مقارنة ب193 دولاراً كما سجلت في 24 من نوفمبر الفائت.
في الجهة المقابلة، انخفضت أسعار الشحن عبر الخط الملاحي البحري من شمالي أوروبا باتجاه الصين وشرق آسيا مروراً بقناة السويس 9% تعادل 29 دولارا، حيث وصلت كلفة شحن الحاوية 40 قدماً إلى 295 دولارا، في الأسبوع المنتهي في 17 من ديسمبر الجاري، مقارنة ب324 دولاراً كما في 24 نوفمبر الماضي، ومروراً ب318 دولارا، كما في مطلع ديسمبر الحالي.
- الممر الأطلسي
في ما يتعلق بالممر الملاحي البحري عبر المحيط الأطلسي، ارتفع شحن الحاوية الواحدة قياس 40 قدما ذات الوجهة الأوربية الشمالية والقادمة من الساحل الشرقي لأمريكا الشمالية 49% بواقع 117 دولارا، لتصل إلى 355 دولارا، كما في 17 الجاري، مقارنة ب238 دولارا، كما في 24 نوفمبر الماضي.
بينما تراجعت بالنسبة للشحنات المتجهة من شمالي أوروبا باتجاه الساحل الشرقي لأمريكا الشمالية 9% تمثل 107 دولارات، إلى 1121 دولارا، مقارنة ب1228 دولارا.
ومن أوروبا باتجاه الساحل الشرقي لأمريكا الجنوبية، انخفضت 9% بواقع 86 دولارا، إلى 874 دولارا، مقارنة ب960 دولارا.
وفي ما يتعلق بالشحنات المتجهة من أوروبا باتجاه الساحل الغربي لأمريكا الجنوبية، انخفضت 0.1% إلى 1761 دولاراً كما في 17 الجاري، مقارنة ب1763 دولاراً كما في 24 نوفمبر الفائت، بانخفاض يمثل دولارين فقط.
- منطقة الهادئ
وبخصوص الخط الملاحي البحري عبر المحيط الهادئ؛ ارتفع شحن الحاوية قياس 40 قدما للشحنات المتجهة من الصين وشرقي آسيا إلى الساحل الشرقي لأمريكا الشمالية بنسبة 6.2%، تعادل 148 دولارا، حيث وصلت كلف الشحنة إلى 2510 دولارات، مقارنة ب2362 دولارا، مرورا بنحو 2367 دولاراً في مطلع ديسمبر الجاري، و 2497 دولارا، كما في ال8 من الشهر الجاري.
كذلك، ارتفعت الشحنات المتجهة من الساحل الشرقي لأمريكا الشمالية نحو الصين وشرقي آسيا عبر «الهادئ»، 5% تعادل 19 دولارا.
فقد وصل متوسط شحن الحاوية إلى 424 دولارا، كما في 17 من الشهر الجاري، مقارنة ب405 دولارات، كما في 24 من نوفمبر الماضي، مرورا ب 406 دولارات، كما في مطلع ديسمبر الحالي، و408 دولارات، كما في منتصف الجاري.
ومن الملاحظ من المقارنات السابقة؛ فإن الخط الملاحي الرابط بين قناة السويس وعبرها مرورا بباب المندب والبحر الأحمر، هو الأكثر ارتفاعا لناحية أسعار شحن الحاويات، مقارنة بالخطوط الرئيسية الأخرى. وذلك نظراً للمخاطر المحدقة والمحيطة بمرور السفن والبواخر والسلع عبر الممر في ظل ازدياد التوترات والأحداث الجيوسياسية في المنطقة، حيث دفع ذلك الأمر، كبريات شركات الشحن ورواد القطاع للجوء إلى طرق بديلة أطول مسافة وزمناً وكلفة، ما قد يؤدي إلى تفاقم في تسليم الطلبيات وتأخرها وازدحام المواعيد.
- شريان عالمي
ويُعدّ الشحن البحري، بمثابة الشريان الذي يمد الاقتصاد العالمي بالحياة، وهو يؤثر بشكل ملموس في التجارة العالمية وتطوّر الاقتصاد، خصوصاً أنه مسؤول عن نقل ما يزيد على 80% من مجمل التجارة العالمية في كل أنحاء العالم.
ويفوق عدد سفن الحاويات النشطة المخصصة للشحن في العالم ال6500 وحدة، بسعة إجمالية تصل إلى 26.4 مليون حاوية نمطية كما في نهاية .
وتتربع شركات «MSC» و«ميرسك» و«CMA CGM»، على التوالي في المراتب الثلاث الأولى في العالم، لناحية أكبر شركات الشحن بسفن الحاويات، حيث تستخدم الشركات، أساطيل تجارية تبلغ سعتها الإجمالية 12.2 مليون حاوية نمطية، أي ما نسبته 46% من سعة الأسطول التجاري العالمي، والبالغة 26.4 مليون حاوية نمطية.
وتسيّر خطوط شحن رئيسية بواسطة سفن الحاويات العملاقة التي تمتلكها، والتي تتجاوز سعة الواحدة منها 18 ألف حاوية نمطية، وذلك من مرافئ البلدان الصناعية الأكبر في العالم، كالصين واليابان وكوريا الجنوبية والهند إلى مرافئ رئيسية في أوروبا وأمريكا والشرق الأوسط، وتمتلك الشركات الثلاث قدرة على تغطية الخطوط البحرية التي تسيّرها بصورة منتظمة، أتاحت لها السيطرة على سوق الشحن البحري في العالم.
- عزوف
وكانت شركات شحن كبرى، قررت أيضا تجنب المرور في البحر الأحمر، مع تزايد التوترات الجيوسياسية الجارية في «باب المندب».
وأصدرت شركة شحن الحاويات التايوانية «إيفرغرين»، تعليمات لسفن الحاويات التابعة لها بتعليق الملاحة عبر البحر الأحمر حتى إشعار آخر في ظل الظروف الحالية.
وأضافت «إيفرغرين»، أن السفن الموجودة في الخدمات الإقليمية لموانئ البحر الأحمر، ستبحر إلى المياه الآمنة القريبة، وتنتظر إشعاراً آخر، بينما سيتم إعادة توجيه سفن الحاويات التي من المقرر أن تمر عبر البحر الأحمر حول رأس الرجاء الصالح، لمواصلة رحلاتها إلى الموانئ.
وكانت شركة «بريتش بتروليوم» النفطية، أعلنت أنها ستوقف جميع عمليات النقل عبر البحر الأحمر مؤقتاً، بعد الهجمات ضد السفن والبواخر.
وأوقفت مجموعة الشحن الفرنسية (سي.إم.إيه - سي.جي.إم) في 16 ديسمبر/كانون الأول الجاري، مؤقتاً جميع شحنات الحاويات عبر البحر الأحمر، في أعقاب الهجمات على السفن التجارية في المنطقة.
كذلك، أوقفت شركة شحن الحاويات الألمانية «هاباغ لويد» الإبحار عبر البحر الأحمر، بعد ساعات من الإبلاغ عن تعرض إحدى سفنها لهجوم.
وأوقفت «إيه.بي مولر-ميرسك» الدنمركية، جميع شحنات الحاويات عبر البحر الأحمر حتى إشعار آخر، وذلك في أعقاب «حادث وشيك» تعرضت له سفينتها ميرسك جبل طارق في وقت سابق.
كما أوقفت شركة «أورينت أوفرسيز كونتينر لاين» قبول بضائع على متن سفنها حتى إشعار آخر بسبب مشاكل تشغيلية.
وبدأت شركة البحر المتوسط للشحن (إم.إس.سي) في الإبحار حول إفريقيا، وهو ما قالت إنه سيؤدي إلى زيادة الكلف والتأخيرات التي من المتوقع أن تتفاقم، خلال الأسابيع المقبلة، بحسب محللي الصناعة.
وقالت شركة الشحن البحري التايوانية «يانغ مينغ»، إنها ستحول مسار سفنها المبحرة عبر البحر الأحمر وخليج عدن إلى رأس الرجاء الصالح، خلال الأسبوعين المقبلين، في ظل تصاعد الهجمات على السفن.
وقالت شركة النفط والغاز النرويجية (إكوينور)، إنها أعادت توجيه «بضع سفن» تحمل النفط الخام والغاز البترولي المسال بعيداً عن البحر الأحمر. ورفضت الشركة الإفصاح عن عدد هذه السفن.
فيما قالت شركة ناقلات النفط البلجيكية (يوروناف) إنها تتجنب البحر الأحمر حتى إشعار آخر.
وأكدت مجموعة «فرونت لاين» لناقلات النفط ومقرها النرويج: إن سفنها ستتجنب المرور عبر البحر الأحمر وخليج عدن في الفترة المقبلة.
- باب المندب
يقع مضيق باب المندب بين شبه الجزيرة العربية وإفريقيا، ويربط البحر الأحمر مع خليج عدن والمحيط الهندي.
ويبلغ عرض المضيق 20 ميلاً (32 كم) وينقسم إلى قناتين بواسطة جزيرة بريم؛ حيث يبلغ عرض القناة الغربية 16 ميلاً (26 كم) وعرض القناة الشرقية ميلين (3 كم).
ومع شقِ قناة السويس شمال مصر، اكتسب المضيق أهمية استراتيجية واقتصادية كبيرة، حيث شكل جزءاً من الرابط بين البحر الأبيض المتوسط وشرق آسيا.
وبحسب بيانات منظمة التجارة العالمية، يختصر مضيق باب المندب رحلات السفن مدة 14 يوماً في المتوسط.
وتعني فرضية غلق المضيق، منع الناقلات وسفن الشحن القادمة من آسيا أو منطقة الخليج العربي من الوصول إلى قناة السويس، ما يحول مسارها حول الطرف الجنوبي لإفريقيا، عبر رأس الرجاء الصالح.
وبحسب بيانات وكالة الطاقة الدولية، فإن قرابة 10% من النفط المنقول بحراً، يمر يومياً عبر مضيق باب المندب، ومن دون هذا المضيق، فإن إمدادات الخام والمشتقات النفطية ستشهد تذبذباً وفوضى في سوق الطاقة.
وبحسب مواقع لتتبع حركة الملاحة البحرية، فإن متوسط عدد القطع البحرية التجارية العابرة للمضيق سنوياً (سلعاً ونفطاً) بلغ نحو 22 ألف قطعة بحرية، أي قرابة 60 قطعة يومياً.
- قناة رئيسية
على الجانب الآخر، توجد قناة السويس، وهي ممر مائي اصطناعي يربط بين البحرين الأبيض المتوسط والأحمر، وتختصر المسار التجاري البحري بين كل من أوروبا وآسيا دون الحاجة إلى اتخاذ طريق أطول حول القارة الإفريقية.
وتمر نحو 10% من تجارة النفط، و8% من تجارة الغاز المسال عبر قناة السويس، بينها نحو ثلثي النفط الخام القادم من منطقة الخليج.
كما يمر نحو 30% من حاويات الشحن في العالم يومياً عبر قناة السويس البالغ طولها 193 كيلومتراً، ونحو 12% من إجمالي التجارة العالمية من جميع السلع، وما يقارب 22% من تجارة الحاويات عبرها.
وتصل حصة البضائع القادمة من جنوب القناة -العابرة من مضيق باب المندب- إلى نحو 47% من حجم البضائع العابرة بقناة السويس، وفقاً لإحصائيات هيئة قناة السويس.
وتمر نحو 98% من البضائع والسفن القادمة من جنوب قناة السويس في مصر من خلال مضيق باب المندب باليمن.
- رأس الرجاء الصالح
لمع هذا الاسم في النشرات الإخبارية مؤخراً، بعد عن ضلَّ عنه كثيرون في المنطقة، باستثناء من هم صناع وروّاد التجارة وقطاع الشحن البحري العالمي، حيث تحولت 55 سفينة إلى طريق رأس الرجاء الصالح حول قارة إفريقيا، لتفادي المرور عبر البحر الأحمر، خلال الفترة من 19 نوفمبر/تشرين الثاني إلى ال17 من ديسمبر الجاري، بعد تزايد الهجمات على السفن المتجهة عبر «باب المندب» مروراً بالبحر الأحمر.
