عادي
مستقبل صحي مُهدّد للأبناء بعلاجات مكثفة وباهظة

زواج الأقارب.. بين الضرورة الاجتماعية ومخاطر الإنجاب

01:18 صباحا
قراءة 7 دقائق

تحقيق: عهود النقبي

على الرغم من أن القاعدة الطبية الشرعية لا تمانع زواج الأقارب، فإنها تحث على توخي الحذر والحيطة، حيث تؤكد معظم الدراسات العلمية عن الأمراض الوراثية الشائعة، ومن أبرزها أمراض هيموغلوبين الدم «خضاب الدم» والعيوب الخلقية الاستقلابية، والأمراض الأحادية الجينات الشائعة، أنها السبب الرئيسي لكثير من الأمراض والإعاقات لدى الأطفال، والعرف والعادات والتقاليد في مجتمعاتنا لا تزال ربما تتجاهل خطورة خطوة كهذه، من دون أخذ التدابير واللجوء إلى فحوص دقيقة تكشف ما إذا كان المقبلون على الزواج سيمنحون أطفالهم حياة مستقرة صحياً أم لا.

في خطوة استباقية تقف بجانب الفحوص المعروفة قبل الزواج، يأتي برنامج «الجينوم» الإماراتي الذي أطلق عام 2021 وهو مشروع وطني وقراءة مميّزة مُسبقة تهدف إلى جمع أكبر قدر من البيانات الجينية الوراثية لمواطني دولة الإمارات، لتسريع وتيرة حلول الرعاية الصحية والوقائية والتشخيص الدقيق للأجيال الحالية والمقبلة، مستخدمين أحدث القوى التحليلية لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وهو برنامج ترجم نظرة الحكومة الرشيدة وتطلعاتها نحو مستقبل صحّي وآمن يستهدف جميع شرائح المجتمع.

من منطلق استكمال أهداف البرنامج وهذا المشروع الوطني الضخم، تستعرض «الخليج» الآراء الدينية والعلمية والاجتماعية، عن أهمية التوعية في أن يكون هناك برنامج يضع خريطة شاملة للبيانات الجينية الوراثية لمواطني دولة الإمارات، لتدارك مخاطر أحد المسببات كزواج الأقارب، ما من شأنه تعزيز الوقاية من الأمراض الوراثية المزمنة، باستخدام العلوم الجينية والتقنيات الحديثة المبتكرة عن التنميط والتسلسل الجيني للتعرف إلى البصمة الجينية.

الصورة

أمراض خطِرة

أكد المواطن م.النقبي، إصابة ابنه الأكبر الذي يبلغ 11 عاماً بمرض «الغلوكوما الخلقية» وهو من أنواع الغلوكوما التي تصيب الأطفال أو حديثي الولادة، حيث تنتج بسبب وجود عيب خلقي حدث عند تطور زاوية العين، ما يتسبب في ضعف نموّها، مسبباً منع تدفق السائل بشكل طبيعي.

وأضاف أن هذا المرض يعود لعوامل وراثية، حيث إنه متزوج من ابنة خالته، ولا يزال يتابع حالة ابنه خارج الدولة لندرة العلاج. وأضاف أن العوامل الوراثية الجينية قد تتسبب بمشكلات أكبر، ويجب أن تكون هناك فحوص خاصة تكشف عن ما إذا كانت هناك أمراض جينية قد يعانيها أطفالهم مدى الحياة، وتبدأ التوعية من قبل الزواج، فزواج الأقارب وإن كان عُرفاً منتشراً في مجتمعنا العربي، فإنه ذو خطورة يتوجب على المقبلين على الزواج تدارك مخاطره مُسبقاً، وسعي الدولة إلى بناء برنامج كامل يشمل دراسات دقيقة لجمع أكبر قدر من البيانات الجينية الوراثية لمواطني دولة الإمارات، أمر نفخر به أولاً، فجهودها السبّاقة في القطاع الصحي والرؤية الحكيمة التي تتوجه دائماً نحو حماية المواطن مُستقبلاً، أمر يجب أن نشدّ عليه ونشارك به، ولقد شهدت على وجود البرنامج وبدء خططه في المستشفيات، حيث إن الفريق الطبي للبرنامج موجود لجمع العيّنات من المواطنين، وأتمنّى أن يأخذ المجتمع الإماراتي هذا الجهد على محمل الجد، والمشاركة في البرنامج، لتفادي خطورة أمراض كهذه، لحماية مجتمعاتنا وأطفالنا مستقبلاً.

2

خريطة شاملة

أكد الدكتور سعيد سليمان العقيد، أستاذ مساعد، قسم الفقه وأصوله، كلية الشريعة والدراسات الإسلامية في «جامعة الشارقة» أنه ونظراً لما قد يترتب على وجود بعض الأمراض في الزوجين أو أحدهما من احتمال انتقالها إلى الأولاد، ما تنتج عنه أمراض وتشوّهات خلقية، سارعت بعض الدول إلى بعض الحلول الوقائية، التي تقلل نسب الإصابة بهذا النوع من الأمراض- وبخاصة المنتشرة منها- ومن ذلك برنامج «الجينوم الإماراتي».

د. سعيد العقيد

ويهدف إلى وضع خريطة شاملة للبيانات الجينية الوراثية لمواطني دولة الإمارات لتسريع وتيرة حلول الرعاية الصحية الوقائية والتشخيص الدقيق للأجيال الحالية والمقبلة.

وسيسهم البرنامج في توقع قابلية الإصابة ببعض الأمراض بقراءة الجينوم الكامل، ووضع خطة علاجية ووقائية للمجتمع بناء على نتائج التحليل الجيني للمواطنين.

ويرجّح معظم الباحثين أن زواج الأقارب هو السبب الرئيسي للاضطرابات الوراثية، فضلاً عن خطورته على الأبناء وصحتهم، وتسبّبه في إعاقات، وتشوّهات، وأمراض دم، وغيرها.

لذا فإن حكم منع ولي الأمر لعقد النكاح بسبب مرض الخاطبين أو أحدهما، بسبب وجود دراسات تثبت أن مثل هذه الفحوص، تكشف أن المقبلين على الزواج يمكن أن ينجبوا أطفالاً يحملون أمراضاً جينية وراثية، قد اختلف فيه الفقهاء المعاصرون في هذه المسألة، والمرجّح لدينا القول إنه يُلزم الخاطبان بنتائج الفحص، ويُمنعان من إتمام النكاح. وهو قول طائفة من الفقهاء المعاصرين، لأن في في ذلك، حال كون الفحص سلبياً مصلحة للطرفين وللمجتمع، فوجب حسبانها وإتمام الزواج مع نتائج الفحص السلبية قد يؤدي إلى إنجاب أطفال مشوّهين، أو مصابين بأمراض خطِرة قد يستعصي على الطب علاجها، ما يؤثر سلباً في الجانب النفسي للزوجين؛ فلا يتحقق الهدف المقصود من الزواج وهو السكن، والمودّة، والرحمة.

وأضاف أن القائلين بالإلزام المقتضي لمنع إتمام النكاح، يرون أن الإلزام يحقق مصالح مقصودة لطرفي النكاح والمجتمع، ويدفع كذلك مفاسد متوقعة، فينبغي حسبان ما من شأنه كذلك؛ يقول عليه الصلاة والسلام «فِرَّ مِنَ المَجْذُومِ كما تَفِرُّ مِنَ الأسَدِ». (رواه البخاري).

دفع المفسدة

وأشار الدكتور النقبي، إلى أن من الأمور التي ينبغي مراعاتها عند النظر في هذه المسألة، التحقق من أن المفسدة الحاصلة من زواج المصابين بالمرض أو أحدهما، واقعة أو يغلب على الظن وقوعها، وكذلك التحقق من أن منع هذا الزواج يحقق المصلحة المقصودة، ويدفع المفسدة الموجودة أو المتوقعة، وأن تكون تلك الأمراض مما لا يمكن تداركها، وتلافيها بالإرشاد الجيني، أو العلاج الوقائي، أو التدخل الطبي.

واقترح الدكتور سعيد، تكثيف الدراسات في هذا الجانب، وتحديث الإحصاءات الطبية، مع مراعاة ما سبق ذكره من ضوابط، ذلك كله للتأكد من تحقق المصلحة الشرعية المقصودة من منع هذا النوع من النكاح.

أمراض وراثية

د. أحمد رمزي

أوضح الدكتور أحمد رمزي، أخصائي أول طب أطفال وخدّج في «مستشفى لطيفة» في دبي، أنه لا يزال هناك مجهود كبير يجب أن يُبذل في إمكانية إيصال التوعية الكافية للمجتمع بخطورة الأمراض الجينية، حيث إن هناك بعض الأسر التي قد تحمل الأمراض الوراثية الواضحة، وبالنسبة لهم فلا يُشكل ذلك مانعاً في مرحلة الزواج، وهو أمر خطر للغاية، حيث إن المجتمعات الحالية لا تفكر في الضرر الذي قد ينتج عن زواج الأقارب، فنسبة أن يكون الطفل المولود يحمل مرضاً جينياً عالياً جداً، وهنا يتوجب توفر التوعية الكافية للمقبلين على الزواج، فهنا تكمن بداية حضور الأمراض الجينية، فالتحاليل التي يخضع لها المقبلون على الزواج لا يمكن أن تتنبّأ بالأمراض الوراثية بأكملها، فهي توضح وجود بعض الأمراض المعينة عادةً لا تتسبب بمشكلات وراثية كالثلاسيميا، والفحوص الوراثية معقدة جداً، ولا ينفع الخضوع لها قبل الزواج، ناهيك بكلفتها الباهظة، وهو أمر لا يحدث عامة في كل العالم في خطوة ضمن فحوص ما قبل الزواج، والأمراض الوراثية المعقدة هي ما يُمكن أن يتعرض لها الطفل الذي يحمل الجين ذاته من الأب والأم، وهنا تكمن أهمية الفحص الجيني لتدارك ما إذا كان الطفل حاملاً للمرض أو مصاباً به، كأمراض المخ والقلب وهي عادة ما تتسبب بمشكلات أخرى صحية تعرّض الطفل لسلسلة من الأمراض التراكمية.

تاريخ مرضي

وأضاف الدكتور أحمد: «يجب أن يكون المقبلون على هذه الخطوة خصوصاً الأقارب منهم، على فهم ودراية بأن الخطر موجود وبشكل كبير وواضح في وجود تاريخ مرضي قوي بالأسرة، وتبعاً لنوع الوراثة الخاصة بهذا المرض وطريقتها، حيث هناك ما يسمّى الجينات المرضية السائدة وأخرى تسمى الجينات المنتحية، لذلك وتبعاً لكل العادات والتقاليد والعرف المتّبع في الزواج في المجتمع، حيث إن هذا الأمر يشكّل التحدي الأكبر بالنسبة للأطباء، فبعض المتزوجين قد يتبعون حلولاً علاجية قديمة أو منتشرة عبر العرف المجتمعي العائدين إليه، واستسهالهم في التعامل معها قد تنتج عنه أمراض قد تكون خطِرة جداً ولا يصح التصرف بها، من دون استشارة الطبيب المتخصص، وهنا تكمن المشكلة، في أن التوعية لا تزال غير حاضرة بالشكل المطلوب، وذلك يمكن أن يسهم في استمرارية تداعيات خطوة كهذه على مستقبل الأطفال وصحتهم، لهذا فنحن لا ننهي عن زواج الأقارب، لكننا ندعو إلى مزيد من التوعية من أجل التنبؤ بأي مشكلات وراثية محتملة ومن أجل التشخيص المبكر والتعامل معها طبيعياً بالطريقة التي تكفل أعلى درجات السلامة الصحية للجنين، وهو ما ينعكس على صحة المجتمع بشكل عام».

تبعات زمنية ومالية

د. فيفيك موندادا

ذكر الدكتور فيفيك موندادا، استشاري طب أعصاب الأطفال في مستشفى «ميدكير»، أنه لعلاج تبعات الأمراض الجينية كضمور العضلات الشوكي، نحن بحاجة إلى طاقم طبي كامل يتابع بعناية الحالة الصحية للمصاب، وهذا يصعب حدوثه في معظم المستشفيات، فعلاج الأمراض الوراثية وخصوصاً تلك التي تأخذ أبعاداً لم تتدارك منذ الولادة، يتطلب جهداً جماعياً من فريق كامل يتضمن خبراء في جميع المجالات، سواء في طب الأعصاب أو القلب أو العظام وغيرها، وهو أمر يمكن تداركه عبر فحص جيني يخضع له الطفل فور ولادته فقط. ولكنه يرى أن التوعية لا تزال بحاجة إلى تكثيف فيما يخص الأمراض الوراثية الجينية، حتى لا يصل الأمر إلى أمراض متتابعة علاجها يتطلب وقتاً ومالاً باهظاً لتغطيته.

الإرشاد الجيني

همسة يونس

أكدت همسة يونس، مستشارة أسرية ومرشدة مجتمعية، أن الإرشاد الجيني الوراثي، من أهم الأمور التي يجب أن تُعمم في مراكز الإرشاد التي تستهدف الأسر والمقبلين على الزواج، سواء كان لهذه الأسر تاريخ بالأمراض الوراثية، أو لغرض التوعية والوقاية، وأضافت: «يجب أن تكون هناك توعية للمقبلين على الزواج، مع الحاجة إلى طرح الفحوص التي تكشف الأمراض الوراثية بجانب الفحوص الطبية المتعارف عليها قبل الزواج، وعلى الرغم من كلفتها الباهظة، فإن ذلك لا يمنع طرحها، فهي تقف مانعاً بين هذه الخطوة وتبعاتها، وهنا تكمن ضرورة الإرشاد المجتمعي من الحكومات والمؤسسات لأهمية هذه الفحوص في المراكز الطبية وطرحها بأسعار وكلف تتناسب مع جميع المستويات الاجتماعية، وقبل ذلك أهمية أن يكون لدى المقبلين على الزواج، وخصوصاً الأقارب منهم معرفة تامة بمخاطر خطوة كهذه، فمن المهم جداً أن تكون هناك ثقافة منتشرة معنية بإلمام كل ما يتعلق بالإرشاد الجيني للوقاية أكثر من هذه الأمراض الوراثية، لتأسيس مجتمع أكثر صحة في المستقبل».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/4xfsppfw

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"