عادي
صدمة إسرائيلية بعد هجوم 7 أكتوبر.. وانتقام واسع من المدنيين

حرب غزة 2023.. محطة حاسمة في مسيرة القضية الفلسطينية

01:29 صباحا
قراءة 6 دقائق
دخان يتصاعد من الدمار جراء القصف الإسرائيلي وسط قطاع غزة (أ ف ب)

سيظل عام 2023 خالداً في الذاكرة الفلسطينية، لأنه كان مغايراً عن كل السنوات السابقة، وسيكون مختلفاً عن قادم الأعوام. وجاءت الحرب الإسرائيلية على غزة لتسلط الضوء بقوة على قضية الشعب الفلسطيني، والتي بدأ يلفها النسيان، لتعود مجدداً على كل المنابر العربية والدولية، أما الحصيلة الكبيرة لعدد الضحايا خلال هذه الحرب، فقد حطمت كل الأرقام القياسية، وسيظل دويها يتردد سنين طويلة.

الحدث الأكبر الذي شهدته الأراضي الفلسطينية كان يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عندما استفاق العالم على حدث جلل تمثل في اقتحام الفصائل الفلسطينية لغلاف قطاع غزة بما فيها من مستوطنات وثكنات عسكرية ومراكز استخبارات، وقد شكّل هذا الاقتحام، غير المسبوق وغير المتوقع، صدمة لإسرائيل وللجيش «الذي لا يقهر» وللمنطقة والعالم، والمفاجئ فيه أنه جاء في اليوم الأخير من موسم «عيد العُرش»، أي في خضم استنفارٍ عالٍ لدى قوات الجيش والشرطة الإسرائيليين استمر 22 يوماً لتأمين موسم رأس العام العبري، وتزامن مع تصعيد عالٍ في الضفة الغربية والقدس تحسباً لأي عملياتٍ.

القتل والتدمير

تأتي الحرب على غزة 2023 في سياق مغاير للحروب التي اعتادت إسرائيل شنّها على القطاع، إذ فرضت الفصائل الفلسطينية ساعة الصفر هذه المرة من خلال عملية «طوفان الأقصى»، بموازاة تصاعد أعمال العنف في الضفة الغربية المحتلة التي وصلت بالفعل هذا العام إلى أعلى مستوياتها منذ أكثر من 15 عاماً، بعد أن شنت إسرائيل حرباً جديدة على قطاع غزة، رداً على معركة «طوفان الأقصى». وتسببت الغارات الجوية الإسرائيلية، المستمرة منذ أكثر من شهرين ونصف الشهر، في أضرار جسيمة في قطاع غزة، وخاصة في المنطقة الشمالية. وأدى القصف الإسرائيلي إلى مقتل أكثر من 20 ألف فلسطيني، نحو 70% منهم من الأطفال والنساء، وإصابة نحو 55 ألفاً، خلال الفترة ذاتها، بحسب السلطات الصحية في غزة، كما تسبب في تدمير مئات آلاف المباني والوحدات السكنية في كل أرجاء القطاع.

وكشفت تقديرات للأمم المتحدة وصور الاقمار الصناعية، بعد 75 يوماً من الحرب، أن نحو 40 ألفاً من مباني قطاع غزة، أو تقريباً خمس التي كانت موجودة قبل الحرب، تضررت كلياً منذ السابع من أكتوبر.

كارثة إنسانية

وأفضت الحرب على غزة، تحت وطأة الحصار الكامل الذي تفرضه إسرائيل على القطاع، إلى نزوح نحو مليون و900 ألف شخص من أماكن سكناهم، تمت ملاحقتهم بالطائرات الحربية والقصف المدفعي إلى الأماكن التي لجؤوا إليها في المدارس والمستشفيات والمنشآت التابعة لوكالة غوث اللاجئين «الأونروا»، التي فشلت في حمايتهم رغم أنها ترفع علم الأمم المتحدة، حيث ارتكبت القوات الإسرائيلية عشرات المجازر بحقهم. كما أدى القصف الإسرائيلي إلى زجّ السكان في دوّامة غير مسبوقة من الحرمان والفقر المتعدد الأبعاد، وبالتالي إلى كارثة إنسانية على كافة المستويات. وما يُزيد الوضع مأساوية هو الاستهداف الإسرائيلي للقطاع الصحي؛ حيث شن الجيش، خلافاً لكل المعاهدات والقوانين الدولية، حرباً ضارية على المستشفيات وأخرج معظمها من الخدمة، واعتقل نحو 200 من الكوادر الطبية، بل حول هذه المستشفيات إلى ثكنات عسكرية، ودفن الجرحى والنازحين أحياء في باحاتها.

الصورة

الخسائر الإسرائيلية

اعترف الجيش الإسرائيلي بالخسائر الكبيرة التي تكبدتها قواته في قطاع غزة، خاصة بعد انتهاء الهدنة الإنسانية وتجدد المعارك في جنوبي القطاع. وبلغت خسائر الجيش الإسرائيلي منذ بدء العمليات البرية في قطاع غزة 131 قتيلاً، خلال 75 يوماً من الحرب، بينما ارتفع عدد الجنود القتلى إلى 462 قتيلاً، فيما تحدّث الجيش الإسرائيلي عن إصابة نحو 1800 بينهم 300 إصابتهم خطيرة و500 إصاباتهم متوسطة، خلال الفترة المشار إليها. وهي في الحقيقة أرقام تتناقض مع ما ذكرته صحيفتا «يديعوت أحرونوت» و«هآرتس» اللتان أشارتا إلى أن عدد الجرحى ناهز 5000، بينهم ألفان من المعاقين، بينما تحدث مسؤول عن المقبرة العسكرية أنه يجري تشييع عسكري في المقبرة كل نصف ساعة، في وقت نجحت الفصائل الفلسطينية في استهداف المئات من آليات الجيش الإسرائيلي، سواء بالقذائف والمتفجرات.

تحولات الرأي العام

مع مرور الوقت، بدأت التحولات في الرأي العام العالمي والأمريكي تضغط على الإدارة الأمريكية التي انخرطت عملياً في الحرب مع إرسالها حاملتي طائرات وغواصات نووية، وأكثر من ألفي جندي إلى المنطقة، وتوفير الغطاء السياسي لإسرائيل في كل المحافل الدولية، حيث عرقلت خمس محاولات في مجلس الأمن لاستصدار قرار بوقف إطلاق النار، بما في ذلك استخدام «الفيتو» أكثر من مرة. لكن الولايات المتحدة وجدت نفسها معزولة في مواجهة المجتمع الدولي الذي كان يدفع باتجاه وقف إطلاق النار، خصوصاً بعدما استخدمت «الفيتو» للمرة الثانية مقابل 13 من أعضاء مجلس الأمن صوتوا لصالح مشروع قرار بوقف إطلاق النار وامتناع بريطانيا عن التصويت. وبعدما وجدت نفسها مع إسرائيل ضمن 10 دول صوتت ضد مشروع قرار لوقف إطلاق النار، في الجمعية العامة للأمم المتحدة، مقابل 153 دولة بما فيها الدول الكبرى الوازنة في الساحة الدولية.

هذا التحول في الرأي العام، الذي حدث مع خروج الملايين في مختلف المدن والعواصم العالمية في تظاهرات عابرة للقارات دعماً للفلسطينيين في قطاع غزة، وللمطالبة بإنهاء الحرب، بما يعنيه ذلك من سقوط الرواية الإسرائيلية التي هيمنت على الساحة الدولية لعقود، سبب حرجاً بالغاً للإدارة الأمريكية، ووضع سمعتها على المحك. وازداد هذا الضغط بعدما شهدت ولايات ومدن أمريكية تظاهرات تندد بالمجازر التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي بقطاع غزة، وتطالب بوقف فوري لإطلاق النار، وبعدما وصلت الاحتجاجات الرافضة للحرب إلى بوابة البيت الأبيض وإلى داخل الكونغرس. وظهرت بوادر انقسام في وزارة الخارجية الأمريكية، سرعان ما امتد إلى طاقم وزارة الأمن الداخلي، ثم إلى موظفي البيت الأبيض الذين نفذوا وقفات احتجاجية تطالب بإنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة.

بالمحصلة، وبعد أكثر من شهرين ونصف الشهر من الحرب، لا يزال الجيش الإسرائيلي يغرق في وحول غزة، ويمنى بالمزيد من الخسائر الباهظة من عسكرييه وآلياته.

الضفة: استباحة شاملة.. عدوان واستيطان

فلسطينيون نازحون عبر طريق صلاح الدين في حي الزيتون بمدينة غزة يوم 24 نوفمبر الماضي (أ ف ب)

منذ ما قبل الأحداث في غزة، كان عام 2023 مشحوناً بالتوتر في الضفة الغربية. وكان هذا العام هو العام الأكثر دموية بالنسبة للفلسطينيين في الضفة الغربية منذ عام 2005، عندما بدأ مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية «أوتشا» في الاحتفاظ بالسجلات، بحسب تقرير للمكتب.

وبحسب «أوتشا»، قُتل ما مجموعه 477 فلسطينياً في الضفة الغربية والقدس الشرقية في الفترة من 1 يناير/كانون الثاني الماضي، إلى 15 ديسمبر/كانون الأول 2023، وقُتل أكثر من نصفهم منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

كانت بوادر التصعيد في الضفة واضحة للعيان، حيث كثف الجيش الإسرائيلي، منذ مطلع العام الحالي، عمليات القمع والاقتحام والاعتقال والقتل في بلدات ومدن الضفة، بالتزامن مع هجمات المستوطنين الذين باتوا يعيثون فساداً في مختلف القرى والمدن الفلسطينية بحماية الجيش، ناهيك عن اقتحاماتهم اليومية والاستفزازية للمسجد الأقصى، والتي وصلت إلى حد ينذر بالخطر. و تحولت الضفة إلى ساحة مواجهة، بينما سارعت إسرائيل إلى إحكام قبضتها على الضفة وتقطيع أوصالها، وعزل المدن الفلسطينية عن بعضها بعضاً بالبوابات الحديدية والسواتر الترابية والمكعبات الأسمنتية، في تحرك هو الأول من نوعه منذ الانتفاضة الثانية. كما سارعت إلى إعلان الضفة منطقة عسكرية مغلقة، وعززت قواتها العاملة هناك بمئات الجنود، ونفّذت عمليات اعتقال واسعة لمسؤولي الفصائل الفلسطينية والنشطاء بهدف احتواء الأوضاع، مع إطلاق العنان للمستوطنين بالاعتداء على القرى والمدن الفلسطينية.

ملف الأسرى والمحتجزين.. بداية الحرب ونهايتها

متظاهرون أمريكيون يقطعون جسر خليج سان فرانسيسكو أوكلاند احتجاجاً على الحرب الإسرائيلية (أ ب)

سلطت عملية «طوفان الأقصى» التي بدأت مع هجوم السابع من أكتوبر، والتي تم خلالها احتجاز نحو 240 إسرائيلياً من المدنيين والعسكريين، بهدف إجراء عمليات تبادل لتحرير الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، الضوء على ملف الأسرى بكامله.

وقد يكون هدف تحرير هؤلاء الأسرى الذين كان عددهم يناهز ال4500 أسير، أحد أهم دوافع هجوم السابع من أكتوبر، خصوصاً أن بعض هؤلاء مضى عليه عقود في السجون الإسرائيلية، كما أن بعضهم الآخر حكم عليه بالعديد من المؤبدات، ناهيك عن وجود نساء وأطفال أسرى كان يتحتم تحريرهم، لكن ذلك لم يكن ممكناً إلا من خلال صفقات تبادل. لكن هجوم السابع من أكتوبر الذي أتى بالفعل بعشرات المحتجزين الإسرائيليين، لم يكن ليمر من دون اندلاع حرب، خصوصاً أن جيش إسرائيل «الذي لا يقهر» أصبح مقهوراً بالفعل، وتم أسر عشرات الجنود والضباط وبعضهم جنرالات لدى الفصائل الفلسطينية، وبالتالي فإن هذا الجيش الذي شعر بالهزيمة جراء الفشل الاستخباراتي والأمني والعسكري، بات يبحث عن رد الاعتبار، عبر حرب ألغيت فيها كل الخطوط الحمر والقوانين والشرائع الدولية والإنسانية.

في أواخر نوفمبر الماضي، تم التوصل إلى اتفاق حول صفقة تبادل وهدنة استمرت لمدة أسبوع، وجرى خلالها إطلاق نحو 110 من المحتجزين الإسرائيليين، وبينهم عدد من الأجانب مقابل إطلاق سراح نحو 270 من النساء والأطفال الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية. هذه الهدنة انتهت في الأول من ديسمبر واستؤنفت الحرب، فيما تحاول أطراف الوساطةالتوصل إلى اتفاق جديد في ظل شروط جديدة.

فلسطينية في حالة صدمة من هول غارة جوية إسرائيلية على مبانٍ في رفح (أ ف ب)
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/fvnw4893

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"