عادي

مهرجان الفنون الإسلامية.. الجمال عتبة الروح

17:02 مساء
قراءة 3 دقائق
افتتاح مهرجان الشارقة للفنون الإسلامية. تصوير: هيثم الخاتم
افتتاح مهرجان الشارقة للفنون الإسلامية. تصوير: هيثم الخاتم

الشارقة: علاء الدين محمود

الأغلب في الأعمال التي قدّمها الفنانون العرب، ومن مختلف أنحاء العالم في الدورة الـ 25 من مهرجان الفنون الإسلامية، هو ذلك الشغف باكتشاف عوالم روحية يبحث فيها الفنان والإنسان على حد سواء عن تجارب مختلفة، لذلك يطغى بشكل كبير ذلك البحث عن المسكوت عنه في اللوحة، والتأمل في علاقة الأشياء مع بعضها، وما ينتج عن ذلك من تحولات ومتغيرات.

الفنان الإسباني أنطونيو سانتين، شارك بعمل يضمّ مجموعة من اللوحات أطلق عليها اسم «هوس أحادي»، وهي تصميمات وتكوينات تطرح الأسئلة حول عملية الرسم نفسها.

وتشير أعمال سانتين، إلى أن التكنولوجيا أرادت أن تجعل من البراعة الفنية مجرد حكاية عفّى عليها الزمن، لكن يبقى «الفن اليدوي» أعجوبة ثمينة يصنعها الإنسان، وتقف أعمال سانتين شاهدة على ذلك الهوس بعبور الهوة بين الرسم على القماش والنحت، وهو الأمر الذي جعله يتبع نهجاً أكثر تجريبية في التفصيلات اللونية الدقيقة، وهي أقرب ـ بشكل ما ـ إلى المدرسة التنقيطية، حيث تبدو هذه اللوحات الدقيقة من مسافة بعيدة كما لو أنها أحادية اللون، ولكن عند مشاهدتها عن قرب تصبح أسطحها المعقدة مرئية، وربما ملموسة وتفاعلية إلى حد ما، بل وحتى غامضة قليلاً في بعض الأحيان.

وتكمن براعة الفنان في استخدام الألوان الزيتية بطريقة مبتكرة، في هذا العمل الفني، وربما ينبع ذلك من أن سانتين قد اشتهر بلوحاته الدرامية والفائقة الواقعية التي تُصوّر المنسوجات المزخرفة المنفذة بمهارة، حيث يبدو أن لوحات سانتين، بما في ذلك سلسلته الكبيرة من رسومات البورتريه، هي نتيجة للمزج بين الضوء والظلام، والمرئي والمخفي وعلى غرار تقنيات تلعب على التبادل بين القتامة والإضاءة التي قدمها الرسامون الكبار مثل كارافاجيو ودافنشي، إلى الرسم الأوروبي في القرنين الخامس عشر والسادس عشر.

فكرة

الفنانة الكولومبية الفرنسية آنا إسكوبار سافيدرا قدّمت عملاً بعنوان «عتبات»، والذي تستلهم فيه عملاً لمبدعة كولومبية أخرى تدعى ماريا تيريزا هينكابي المعنون بـ«ماذا لو كانت هذه بداية اللانهاية»، حيث تتسم لوحة آنا إسكوبار بالفكرة العميقة؛ إذ يتضح فيها أثر التقاطها التفاصيل الحياتية اليومية الصغيرة من الأشياء حولها، تلك التي تجعل منها موضوعات إبداعية نابضة بالجمال، فالفنانة تسعى لأن تحول الحياة نفسها إلى فن.

وفي «عتبات» تقف آنا موقفاً تأملياً من الأشياء والمفاهيم خاصة البدايات «العتبات»، والتوقف والتكرار يعبران عن الدورات التي تحكم مسيرة حياة الإنسان وكل الكائنات، كما تولي الفنانة اهتماماً كبيراً بالكيفية التي تتجلّى فيها حركات الجسد، ولا سيما اليدين، وكيف يتحوّل ذلك إلى فعل يُعبّر عن الإيمان.

اللوحة بالنسبة لفنانتنا هي موقف تأملي يحفه الإعجاب بتلك الإيماءات التي تحدثها أعضاء الجسد، وترى فيها «عتبة»، أو مدخلاً إلى العوالم المتوارية في النفس البشرية؛ حيث إن إيماءات الجسد تحدث بصورة أكثر خصوصية في لحظات الخشوع كتعبير عن الإيمان، مثل حركة اليدين في الدعاء والأصابع لحظة التسبيح.

وبالنسبة للفنانة، فإنّ «العتبة»، ترمز إلى المدخل، وإلى «البداية» وتجد الفنانة بأنّ الخرز هو أساس أشكال الفنّ وزينة الجسم، حيث يعود أقدم سجل عُثر عليه حتى الآن، لاستخدام الخرز إلى 100,000 سنة.

كما أنّ سبحات الصلاة المصنوعة من الخرز موجودة في مجموعة كبيرة ومتنوعة من الأديان، مما يوضّح بشكل جلي كيف أنّ بعض الإيماءات تبقى مشتركة بين البشر كافة.

علاقات وتفاعل

أما الفنان اللبناني علي شعبان، فيقدم هو الآخر عملاً يتعمق في مفهوم العلاقات بين البشر في سياق إيماني، أطلق عليه اسم «تحول»؛ إذ يتناول الاندماج المثير للاهتمام بين السجاد الفارسي التقليدي والمزهريات الخزفية الرقيقة، ويستكشف العلاقة، التي تحدث عندما يخضع هذان العنصران للتحول الذي يطمس الحدود بين الشكل والوظيفة والسياقات الثقافية.

ولا شك أن تأمل الفنان شعبان في تلك العلاقة بين السجاد الفارسي والمزهريات الخزفية، قد ألهمه بفكرة وموضوعات التهجين الثقافي، الذي أدى إلى تطور أشكال الفن، وتلك هي الفكرة الأوسع التي خرج بها من هذا التأمل وجعله يوسع أفقه بحيث أصبح يفكر في حال الثقافة وتعبيرها عن تقارب البشر وتعارفهم، الأمر الذي يشير إلى قوة الفن في اكتشاف الأشياء والعلاقات بينها.

ويجمع «تحول» بين الحرف التقليدية والتعبير الفني المعاصر، ليكون بمثابة شهادة على قدرة الفن الدائمة في إعادة تشكيل تصوراتنا وإعادة تحديد الحدود الثقافية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/4x5fxkkf

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"