الوجه الآخر للتهجير القسري

00:25 صباحا
قراءة 3 دقائق

يوم بعد آخر، تتصاعد دعوات التهجير القسري، رغم الإدانات والتحذيرات الدولية المتواترة. إذا ما تصورنا أن الخطر قد زال ببيان للخارجية الأمريكية الذي يقول إن غزة لأهلها، وسوف تظل كذلك، فإننا نخدع أنفسنا قبل الآخرين.

المشروع ماثل بالإلحاح عليه والإجراءات العملية التي تجعل الحياة شبه مستحيلة في غزة. «النتائج العملية هي الأهم بالنسبة للإسرائيليين».

كانت تلك عبارة كاشفة تضمنتها وثيقة بريطانية أزاحت عنها الستار مؤخراً ال«بي. بي. سي» منسوبة إلى «إرنست بارنز» السفير الأسبق في تل أبيب عام 1971.

وفق الوثيقة نفسها سأل دبلوماسي بريطاني شيمون بيريز: «هل العريش تعتبر الآن امتداداً لقطاع غزة؟».. أجابه: «إن استخدام المساكن الخالية أمر عملي تماماً»!

الكلام نفسه بألفاظه ومنطقه ومراميه يتكرر الآن.

لم يُطرح مشروع التهجير القسري من غزة إلى سيناء فجأة، فهو من طبيعة نشأة الدولة العبرية التي أعرب مؤسسها «ديفيد بن جوريون» عن ندمه لعدم إخلاء القطاع من سكانه العرب في أجواء نكبة 1948.

كانت تلك شهادة لافتة لعالم اللغويات الأمريكي اليساري اليهودي نعوم تشومسكي مستنداً إلى أرشيف مجلس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت.

«مع كل الاحترام لسنا نجمة أخرى في العلم الأمريكي». كانت تلك عبارة كاشفة أخرى لحقيقة الموقف الآن على لسان وزير الأمن القومي اليميني المتطرف إيتمار بن غفير، قاصداً التهوين من الرفض الأمريكي لمشروع التهجير القسري، وأنه غير قابل للتراجع عنه، أو النقاش فيه حتى مع أوثق الحلفاء.

صلب الاستهداف الأيديولوجي الإسرائيلي: إخلاء غزة من أهلها بالتهجير القسري، أو الطوعي، على ما يقترح الآن غلاة اليمين المتطرف لتجاوز الاعتراضات الإقليمية والدولية، التي تشمل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمجموعة العربية والأغلبية الساحقة من دول العالم. بتعبير وزير المالية المتطرف يتسلئيل سموتريتش فإن «التهجير هو الحل الإنساني الوحيد لأهالي غزة»! أراد أن يقول إن حرب الإبادة في قطاع غزة لا تدع لأهله أية فرصة للإفلات من الموت، أو التجويع والتشرد في صقيع الشتاء، سوى بمغادرته إلى سيناء، أو إلى أي مكان آخر، متصوراً أن ذلك عملاً إنسانياً!

الوجه الآخر للتهجير القسري هو حرب الإبادة والتطهير العرقي. إنه مشروع واحد يستهدف هوية غزة ومستقبلها.

«تلقيت اتصالات من دول في أمريكا اللاتينية وإفريقيا باستعدادها لاستيعاب اللاجئين من قطاع غزة وهذا سيسهل الأمر على من يبقون فيه فضلاً عن جهود إعادة بنائه». هكذا زعم «داني دانون» مندوب إسرائيل السابق في الأمم المتحدة وعضو الكنيست.

ثم وصلت حمى التهجير القسري، أو الطوعي، ذروتها بما أذاعته القناة (12) الإسرائيلية من تكليف رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير بمتابعة ملف الهجرة الطوعية مع دول أخرى في العالم بعد محادثات أجريت في تل أبيب مع نتنياهو وعضو مجلس الحرب «بيني غانتس». فور إذاعة هذا الخبر تلقى «بلير» سيلاً من الانتقادات والإهانات من كافة أرجاء العالم، مذكرة بسجله المخزي في الحرب على العراق، وتحت الضغط اضطر إلى نفي ذلك الخبر: «لم يجر حديث من هذا القبيل.. الفكرة خاطئة من حيث المبدأ.. إنها جريمة حرب.. يجب أن يكون سكان غزة قادرين على الحياة والعيش».

في بداية الحرب، لم يمانع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في مشروع التهجير القسري، لكنه عندما بدا أن الولايات المتحدة قد تدخل في أزمة كبرى مع حليفتيها الإقليميتين مصر والأردن، تراجعت إلى الخلف قبل أن تناهض المشروع علناً عندما بدا أن عياره أفلت.

باليقين، فإن هناك عاملين رئيسيين أجهضا الموجة الأولى من مشروع التهجير القسري، أولهما، الموقف المصري الصارم مدعوماً أردنياً وفلسطينياً خشية تهجير مماثل من الضفة الغربية إلى الضفة الأخرى وطناً بديلاً وتقويض القضية كلها.

وثانيهما، تعثر العمليات العسكرية الإسرائيلية في الحرب البرية بفضل المقاومة الفلسطينية، التي إذا ما هُزمت فسوف تتعرض مصر لأخطار جسيمة في أمنها القومي.

بتعبير الأستاذ «محمد حسنين هيكل»: «إسرائيل تستهدف مصر دائماً، بمناسبة أو بغير مناسبة، لأنها الدولة الوحيدة التي إذا نهضت فإن المعادلات في المنطقة كلها تتغير».

استهداف سيناء وقناة السويس جوهر الصراع على مصر. هذه حقيقة جيواستراتيجية لا يصح تجاهلها أو إنكارها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/5h8hp5zp

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"