عادي

إثيوبيا.. الهروب إلى البحر الأحمر!

23:34 مساء
قراءة 4 دقائق
رئيس «أرض الصومال» موسى عبدي ورئيس الوزراء الأثيوبي آبي أحمد بعد توقيع الإتفاق

أحمد عسكر*

عززت إثيوبيا مساعيها على مدار السنوات الماضية للحصول على منفذ بحري على ساحل البحر الأحمر بتوقيع اتفاق مبدئي في 1 يناير الماضي مع إقليم «أرض الصومال» الذي أعلن انفصاله عن الصومال من جانب واحد في عام 1991، يحصل بموجبه الجانب الإثيوبي على حق امتياز استئجار 20 كيلومتر مربع لمدة 50 عاماً تمهيداً لتأسيس ميناء بحري وقاعدة عسكرية بحرية.

تحصل «أرض الصومال» مقابل ذلك على اعتراف إثيوبيا باستقلالها، وتحصل حكومة الإقليم على حصة محتملة من الخطوط الجوية الإثيوبية بنسبة 20%، والتي بلغ إجمالي إيراداتها نحو 6.9 مليار دولار عام 2022.

ويشكّل هذا الاتفاق تحولاً استراتيجياً في ديناميكية التفاعلات الإقليمية المعقدة بالقرن الإفريقي، التي ربما تشهد مرحلة جديدة من إعادة تشكيل خرائط المنطقة وهندستها مجدداً، بما يحقق الأهداف والمصالح الإثيوبية الحيوية، ومصالح بعض الأطراف الإقليمية والدولية التي تسعى إلى تعزيز نفوذها وحضورها في المنطقة خلال الفترة المقبلة، وذلك بالتزامن مع التحولات الاستراتيجية التي تشهدها القارة الإفريقية بشكل عام والقرن الإفريقي بشكل خاص، وما قد تحمله من تغيرات استراتيجية فيما يتعلق بإعادة توازنات القوة الإقليمية في المنطقة مستقبلاً.

دوافع متباينة

يمتلك طرفا الاتفاق العديد من الدوافع الاستراتيجية التي دفعتهما إلى توقيعه من أجل تحقيق العديد من المكاسب الاستراتيجية على الصعيدين المحلي والإقليمي في القرن الإفريقي.

بالنسبة لإثيوبيا، ترغب الحكومة الإثيوبية في الهروب من سجنها الجغرافي المفروض عليها منذ استقلال إريتريا في عام 1993 من أجل الاتصال بالعالم الخارجي، وما يرتبط به من تعزيز تجارتها الخارجية عبر المياه الدافئة، بما يسهم في تخفيض الأعباء المالية التي تكبدتها خلال السنوات الماضية جراء الاعتماد على ميناء جيبوتي الذي يعبر من خلاله نحو 95% من التجارة الإثيوبية مقابل نحو ملياري دولار سنوياً بما يعادل نحو 13% من ميزانية الدولة الإثيوبية.

كما أن الحصول على منفذ بحري من شأنه إعادة الاعتبار للاقتصاد الإثيوبي الذي تعرض لهزات قوية خلال السنوات الأخيرة على خلفية تأثير جائحة كورونا، وحرب تيغراي في شمال البلاد.

دوافع إثيوبيا و«أرض الصومال»

وإذ تدرك إثيوبيا أن عدم وصولها إلى البحر الأحمر بشكل دائم من شأنه أن ينتقص من نفوذها الإقليمي في القرن الإفريقي، خاصة أنه يحرمها من الانخراط بقوة في المعادلة الإقليمية لأمن البحر الأحمر، فقد جاء الخطاب الإثيوبي حاسماً بأن البحر الأحمر يمثل قضية وجودية و«مسألة حياة أو موت» بالنسبة لأديس أبابا، كما أشار آبي أحمد، رئيس الوزراء الإثيوبي، في خطابه أمام البرلمان الإثيوبي في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ما يعكس أهمية الخطوة الإثيوبية الأخيرة، والتي يتوقع ألا تتوقف عند أرض الصومال، بل سيتبعها خطوات أخرى، في ظل الحرص الإثيوبي على تعزيز البدائل الاستراتيجية التي تضمن لها الوصول إلى المياه الدافئة، خاصة أنها تتخوف من تقلبات الأوضاع الإقليمية في القرن الإفريقي، وتأثيرها على بعض دول المنطقة بما في ذلك التزاحم الدولي والإقليمي هناك، وما قد يشكله من ضغوط على الدولة الإثيوبية في المرحلة المقبلة.

كما يروّج آبي أحمد لهذا الاتفاق باعتباره مشروعاً قومياً وحلماً إثيوبياً قديماً نسبياً، وذلك من أجل تعزيز شعبيته لدى الرأي العام الإثيوبي، وحشد الإثيوبيين حوله وحشد الالتفاف الشعبي حول مشروعه الجديد الذي لا يقل أهمية عن سد النهضة الإثيوبي. خاصة في ظل السياق الداخلي المضطرب سياسياً وأمنياً، والمثقل بعدد من النزاعات والصراعات مثل الصراع الممتد منذ أغسطس/ آب 2023 بين القوات الحكومية ومقاتلي أمهرة من مليشيا فانو.

وعلى الجانب الآخر، يتمثل الهدف الأساسي لحكومة إقليم أرض الصومال من توقيع هذا الاتفاق في الحصول على الاعتراف الإثيوبي بأرض الصومال كدولة مستقلة، وهو ما يشكل نقلة نوعية في مساعيها لنيل الاعتراف الدولي في ضوء إدراكها أهمية إثيوبيا الاستراتيجية في القرن الإفريقي والقارة ككل، وباعتبار أنها خطوة مهمة يمكن البناء عليها في توسيع المساعي الدبلوماسية لاستقطاب العديد من الدول الإفريقية والعالم الخارجي لاتخاذ نفس الموقف الإثيوبي من قضية استقلال «أرض الصومال».

وبرغم معارضة بعض الأطراف السياسية في أرض الصومال إلى جانب رفض الحكومة الفيدرالية الصومالية هذا الاتفاق، فإن حكومة هارجيسا تستهدف الحماية الإقليمية ضد أي تهديدات خارجية في ضوء التكهنات باحتمال اندلاع حروب إقليمية على خلفية هذه الخطوة للحفاظ على وحدة وتماسك الدولة الصومالية.

مستقبل غامض

ربما يترتب على هذا الاتفاق تحول دراماتيكي في السياق الإقليمي بالقرن الإفريقي يتمثل في بعض التحولات بخصوص التحالفات الإقليمية والدفع نحو المزيد من الاضطرابات والتوترات هناك، حيث تتبنى الصومال موقفاً تصعيدياً منذ الإعلان عن الاتفاق، بعدما استدعت سفيرها لدى إثيوبيا للتشاور، واتهامها لها بالاعتداء على السيادة الوطنية الصومالية، وأنها تدفع المنطقة نحو المزيد من التطرف خلال الفترة المقبلة. إضافة إلى التحركات الإقليمية للرئيس حسن شيخ محمود الذي زار إريتريا في 8 يناير/ كانون الثاني الحالي في إطار مساعيه للضغط على الجانب الإثيوبي من أجل التراجع عن الاتفاق الأخير، والذي ربما يدفع مقديشو إلى التقارب مع بعض الأطراف الإقليمية المناوئة لأديس أبابا خلال الفترة المقبلة لتتحول من عامل استقرار إقليمي إلى محفز للتوتر الإقليمي الذي يهدد المصالح الإثيوبية في القرن الإفريقي.

وربما تتوتر العلاقات الإثيوبية مع بعض دول المنطقة التي تتحفظ على هذا الاتفاق مثل جيبوتي وكينيا، وقد تنضم دول أخرى مثل إريتريا، في ضوء المخاوف من تنامي النزعة الانفصالية التي قد تدفع نحو بلقنة القرن الإفريقي، بما يهدد وحدة دول المنطقة واستقرارها.

إجمالاً، من المرجح أن تحتوي إثيوبيا تلك التوترات الإقليمية بدعم بعض الأطراف الإقليمية حفاظاً على مصالحها الحيوية في القرن الإفريقي. ويتوقع أيضاً أن تتوسع أديس أبابا في تدشين شبكة إقليمية من الموانئ البحرية الإقليمية تضمن لها بدائل استراتيجية للوصول إلى المياه الدافئة، وارتدادات ذلك على تعزيز نفوذها الإقليمي في القرن الإفريقي.

* باحث في الشأن الإفريقي. مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/46pu9z6s

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"