الرئاسة اللبنانية والصراعات الإقليمية

00:16 صباحا
قراءة دقيقتين

د. خليل حسين
لطالما شكلت مناسبة الانتخابات الرئاسية اللبنانية ربطاً ووصلاً بنتائج الصراعات الإقليمية، إن لجهة الاستثمار في أدواتها الداخلية أم لجهة كسب المناخات المؤيدة أو الرافضة لتلك السياسات. كما أن التدقيق في مفاصل تلك المراحل يثبت أنه من الصعب إيجاد حالة واحدة بعيدة عن تلك المؤثرات، أو عدم تآلف وتناغم من يصل لسدة الرئاسة مع الظروف والأوضاع التي أوصلته.

وعلى الرغم من شيوع الدور والاهتمام الفرنسي في لبنان، إلا أنها عملياً لم تكن لوحدها صاحبة القرار في إيصال من تريد، بل كان ثمة لاعبون كثر أثّروا بشكل كبير في تفضيل شخص على آخر لاعتبارات متنوعة ومختلفة، بداية بوصول الرئيس بشارة الخوري لسدة الرئاسة في العام 1943الذي كان شكلاً من أشكال التسوية البريطانية الفرنسية وبرعاية أمريكية، إلا أن الخلاف في ما بينها لاحقاً أدى الى عدم تمكنه من إكمال ولايته الممدة في نصفها، فكان وصول كميل شمعون خلفاً له بمثابة خيار مقبول لمختلف الفرقاء لتهدئة الداخل اللبناني ولملمة تداعيات الثورة البيضاء آنذاك، إلا أن ذلك لم يمنع من تفجير الأوضاع الداخلية في نهاية عهده، حيث أنجرت ثورة مضادة على سياساته المؤيدة للغرب لجهة مضيه في تأييد حلف بغداد، وغيره من التوجهات البريطانية والأمريكية آنذاك.

لقد شكل وصول الرئيس فؤاد شهاب مظهراً واضحاً لنتائج إخراج التأثير الفرنسي والبريطاني في المنطقة وحلول الولايات المتحدة على قاعدة ملء الفراغ، فتمت تسوية الوصول للرئيس شهاب في العام 1958 كتفاهم أمريكي مصري؛ لكن الدور الفرنسي عاد ولعب دورا مؤثراً الى جانب واشنطن في إيصال الرئيس شارل حلو واستكمال دور الشهابية السياسية في الداخل، لكن هذه التخريجة الإقليمية والدولية لم تتمكن من إيصال الياس سركيس للرئاسة في العام 1970 بفارق صوت واحد سجله آنذاك الزعيم كمال جنبلاط لمصلحة سليمان فرنجية.

كما كان للاحتراب الداخلي اللبناني أثر في إعادة تركيب التحالفات والتأثيرات الخارجية، فقد تسبب الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982 في إيصال بشير الجميل للرئاسة الذي كان اغتياله نتاج صراع إقليمي ودولي كبير، ما أدى الى وصول أخيه الرئيس أمين الجميل بدعم أمريكي واضح بمواجهة سوريا في لبنان؛ لكن التنازع الأمريكي والسوفييتي ومن ضمنهم السوري أدى الى فراغ رئاسي وهي سابقة في تاريح لبنان بدأت مع نهاية ولاية أمين الجميل، وانتهت مع اتفاق الطائف في العام 1989 التي أوصلت أولاً رينيه معوض الذي اغتيل بعد أسابيع من انتخابه، والأمر عينه تكرر مع انتخاب العماد إميل لحود، فيما سجل فراغ رئاسي ثان في الحياة السياسية اللبنانية انتهت باتفاق الدوحة الذي أوصل ميشال سليمان للرئاسة الذي انتهت ولايته بفراغ رئاسي ثالث، أنهاه انتخاب الرئيس ميشال عون الذي ودع ولايته بفراغ رئاسي رابع ما زال مستمراً الى الآن.

وما يشاع حالياً من أن انتخاب الرئاسة مرتبطة بحرب غزة ونتائجها صحيح، فالأطراف الداخلية اللبنانية المتنازعة تنتظر نتائج الحرب لإعادة الاصطفاف السياسي والانتخابي للرئيس العتيد. فمن سيكون الرئيس القادم بعد حرب غزة؟.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/5n8uj8b9

عن الكاتب

دكتوراه دولة في القانون الدولي .. رئيس قسم العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية واستاذ القانون الدولي والدبلوماسي فيها .. له أكثر من 40 مؤلفاً ومئات المقالات والدراسات البحثية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"