عبدالله السويجي
يجادل الاختصاصيون في مسألة مهمة، تتعلق بالبرمجيات والتطبيقات الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي، من خلال مقاربة الاستخدام والأثر الأخلاقي على المستخدمين أو المستفيدين. ومفاد النقاش يتمحور حول مبدأ يقول إن نجوع الوسيلة أو التطبيق الإلكتروني يتم تقريره وفق آلية استخدامها، وبهذا يمنحون شهادة براءة لتلك الوسائل والتطبيقات. وبتعبير أدق فإن المُنتَج ليس هو المسؤول عن الثغرات الأخلاقية وإنما طريقة استخدامه، فإن تم توظيفه للحصول على المعرفة فإنك ستحصل عليها من دون آثار جانبية، وإن تم توظيفه لأهداف غير أخلاقية فإن المخرجات ستكون مفعمة بالأضرار والتشوهات الأخلاقية والقيمية.
وبعيداً عن هذا النقاش الذي سيدوم، فإن التطبيقات الإلكترونية دخلت في العملية التعليمية على نطاق واسع، ومع تراكم الاستخدام أدت إلى نتائج يتوقف عندها التربويون الآن، فالحاسبات الإلكترونية على سبيل المثال قامت بتوفير الوقت والجهد للحصول على نتائج عملية حسابية دقيقة، لكنها في المقابل تسببت في كسل ذهني لدى المتعلمين. ومثال آخر يتعلق بالكتابة، إذ أدت الكتابة الإلكترونية إلى إهمال الكتابة اليدوية، كما أدت القراءة الإلكترونية إلى الاستغناء عن القراءة الورقية.
في الأولى تضررت جماليات الخط لمتعلمين كثيرين، وباتت خطوطهم قبيحة ينقصها الرشاقة والجمال، وفي الثانية، تسببت القراءة الإلكترونية بضعف في التركيز وقوة الرؤية ومشاكل عصبية أخرى. أما ما اعتبره الاختصاصيون الاجتماعيون خطراً على المستخدمين لوسائل التواصل الاجتماعي، ولاسيّما الأطفال والمراهقين، وأدرجوه ضمن الأخطار التي تحدق بالأوطان، هو ذلك الإدمان الذي يحمل معه الاكتئاب وأحياناً الانتحار، ما يعرّض جيلاً بأكمله لأمراض نفسية وجسدية وأخلاقية، وقد انتبه الاختصاصيون منذ ظهور وسائل التواصل الاجتماعي وما تحمله من محتوى مبهر وجذاب، يتعارض أحياناً مع المنظومة القيمية، إلى مسألة الإدمان، ويقولون إن الآباء ساهموا بنسبة كبيرة في هذا الإدمان عندما استعانوا بالوسائل الإلكترونية لإلهاء أبنائهم والتخلص من ضجيجهم وطلباتهم التي لا تنتهي، ما خلق مشكلة تربوية، باتت تكلف الدولة أثماناً باهظة لعلاجهم.
إن هذا الواقع جعل المشرّعين في الولايات المتحدة، وخاصة في ولاية فلوريدا يوافقون على قانون يحظر وسائل التواصل الاجتماعي للأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 17 عاماً، وطالبوا الشبكات الاجتماعية بإغلاق الحسابات الحالية للأطفال والمراهقين للفئة المستهدفة، علماً أنه تم تمرير قوانين تقيّد وصول الأطفال إلى وسائل التواصل الاجتماعي لأول مرة في ولاية يوتا الأمريكية في مارس/ آذار 2023 وتلتها ولايات أخرى مثل أركنساس ولويزيانا وأوهايو وتكساس. وفي السياق ذاته، ولكن في الحقل التعليمي، أعلنت السويد مؤخراً عن خطة لمواجهة ضعف القراءة لدى الطلاب، وذلك عبر العودة إلى استعمال الورق والكتب الورقية بدلاً من الشاشات الرقمية. وقد جاء الإعلان بعد استبيانات أكدت تراجع مهارات الطلاب السويديين في القراءة، وما يشكله من مخاطر على مستقبل الطلاب أنفسهم وعلى مستقبل السويد. ونلاحظ هنا ربط تراجع مستوى القراءة مع مستقبل الدولة.
ومن المؤكد وجود صعوبة في تطبيق قرار منع الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 17 سنة من الوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك، العودة إلى العالم الورقي، بعد حملات التشجيع التي سادت العالم، وليس الولايات المتحدة والسويد، على إيجاد بيئة لا ورقية، والاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي.
ولا يخفى على أصحاب الاختصاص أن الاستخدامات الخاطئة للتكنولوجيا وثورة المعلومات شملت الكبار أيضاً، ما يعني أن المشكلة وطنية وقومية بامتياز، وهذا يتطلب مراجعة شاملة لحدود استخدام التكنولوجيا في الحياة الاجتماعية والعملية التعليمية، ولو أردنا سرد قصص عن الآثار السلبية لتلك الاستخدامات الخاطئة لما اتسعت المساحة، لكن أرجو ألا يفهم البعض هذا النقاش بأنه دعوة للتخلي عن الاستفادة من التكنولوجيا بعد أن أصبحت في صميم الحياة المعاصرة وتكاد تكون أسلوب حياة.