عادي
نقلة نوعية تتطلب تطوير المعلم وتوعية الأسر

«التفكير الناقد».. قفزة تعليمية تصطدم بجملة من التحديات

02:00 صباحا
قراءة 5 دقائق

العين : منى البدوي

يعد «التفكير الناقد» الذي تسعى الكوادر التعليمية في جميع المواد لتفعيله خلال الحصة الدراسية، أحد التطورات التي شهدتها العملية التعليمية بالدولة، والتي تسهم بشكل كبير وفاعل في بناء شخصية الطالب وتأهيليه مستقبلاً لمواكبة العصر والنجاح في المجالات العملية والاجتماعية.

كما اعتبره عدد من المعلمين والمعلمات، قفزة في أسلوب التعليم، أسهمت في تغيير الصورة التقليدية للمعلم والطالب معاً، وفي السطور التالية يقدم الخبراء تفسيراً لمفهوم «التفكير الناقد»، وكشفوا جملة من التحديات التي تواجه تفعيله.

على الرغم من تأكيد تربويين على أن «التفكير الناقد» شكل صورة حضارية للمنظومة التعليمية بشكل عام، حيث تلاشت صورة المعلم الملقن، والطالب المتلقي الذي يقوم بحفظ المعلومات دون تفكير أو تحليل، إلا أن تفعيل هذا الأسلوب يواجه بعض التحديات، منها: الوقت المحدد للحصة الدراسية والموازنة ما بين المنهج ودمج أنشطة التفكير النقدي.

كما تتضمن التحديات أيضاً، استيعاب وتقبل الأهل للتغيرات التي طرأت على العملية التعليمية، وآلية تطوير المعلم وتأهيليه بحيث يكون قادراً على طرح أسئلة تسهم في توسيع أفق الطالب، وتشجيعه وتعويده على التفكير الناقد الذي يسهم في تطويره ليس فقط في الميدان التربوي التعليمي، وإنما في مختلف مجالات الحياة.

بناء الشخصية

قال أحمد علي أبو زيد، مدرس لغة عربية: إن التعليم في دولة الإمارات شهد خلال السنوات الأخيرة نقلة نوعية في المناهج الدراسية، أبرزها التركيز على مهارة التطوير الناقد، والذي يشكل في حد ذاته قفزة في طرق وأساليب التعليم الحديث الذي يسهم في بناء شخصية الطالب الاعتبارية، ويجعل لأفكاره أهمية كبيرة، ويساعده على التفكير بطريقة تحليلية فاحصة، واتخاذ القرارات وتقييم الجوانب جميعها أثناء حل المشكلات أو التعرض لمواقف تستدعي منه ذلك.

وأضاف، إن التفكير الناقد يواكب التطورات ومتطلبات العصر الحديث بشكل عام وأساليب التعليم الحديثة التي لا تعتمد على التلقين، حيث إنه عملية منظمة تحتاج لمهارات أخرى مثل التحليل والتأمل والتركيز، كما يساعد الطالب على تطوير قدراته في اتخاذ قرارات وآراء مدروسة واستخدام العقول بطريقة منهجية، بهدف تقييم النصوص والواقع والأفكار والمعلومات وعدم الأخذ بالأمور كأنها مسلمات لا تحتمل النقاش أو التعديل.

كما أشار أبو زيد، إلى أن أهمية التفكير الناقد وفوائده وآثاره الإيجابية لا تقتصر على الطالب فقط، وإنما تمتد للمعلم، الذي يجب عليه التفكير بأسئلة تحفز التفكير وترتقي بالعقول، ووضع الطلاب أمام تحديات مرتبطة بالواقع للبحث عن حلول لها وهو ما يسهم في نهاية المطاف بنوع من التطوير الشامل للمهارات وأساليب التفكير المبدع للمعلم والطالب والعملية التعليمية ككل.

ضرورة التمييز

أكدت شيماء وجيه، رئيسة قسم اللغة العربية، بالمدرسة الأمريكية الوطنية بالعين، ضرورة التمييز ما بين «التفكير»، و«التفكير الناقد»، حيث إن الأول في أبسط صوره، عبارة عن سلسلة من النشاطات العقلية التي يقوم بها الدماغ عندما يتعرض لمثير يتم استقباله عن طريق واحدة أو أكثر من الحواس الخمس، بينما التفكير الناقد يمكن تعريفه بأنه التفكير التحققي والتأملي، والذي يتم من خلاله التركيز على المعتقدات والآراء كافة.

وأشارت إلى أهمية دور المعلم في تحفيز التفكير الناقد، من خلال الاستماع للطلبة والتشجيع على المناقشة والتعبير وتقبل أفكار الطلبة ومنحهم الوقت الكافي للتفكير وتنمية ثقة الطلبة بأنفسهم وتثمين أفكارهم، وأيضاً إعطاء تغذية راجعة إيجابية، وتجنب استخدام الألفاظ الكابحة للتفكير عندما تكون الأسئلة أو النشاطات من النوع المفتوح الذي ليس له إجابة محددة.

دمج الأنشطة

قالت هبة حوراني، معلمة رياضيات: إن تطور منظومة التعليم بالدولة، وما صاحب ذلك من تطور في المناهج التي تعتمد على التفكير والتأمل والإبداع والابتكار، انعكس بشكل كبير وواضح على المعلم والطالب، حيث إن التفكير الناقد الذي بات جزءاً أساسياً في جميع المواد، أخفى الصورة التقليدية للمعلم الذي كان يقوم بتلقين الطلبة.

وأضافت، إن المعلم المبدع الذي يسعى لتحقيق الأهداف المرجوة من التفكير الناقد، يجب أن يقوم بإعداد الطلاب وتعويدهم وتعزيز التفكير النقدي لديهم، من خلال دمج أنشطة حل المشكلات التي تتطلب تحليل المفاهيم الرياضية وتطبيقها وتقييمها، وتقديم مشاكل العالم الحقيقي، والشجيع على استخدام أساليب الحل المتعددة، وإشراكهم في المناقشات حول الأسباب الكامنة وراء أساليبهم، إضافة إلى التركيز على عملية حل المشكلات بدلاً من مجرد الإجابة الصحيحة، كما أن توفير الفرص لحل المشكلات بشكل تعاوني يمكن أن يزيد من تعزيز التفكير النقدي.

المواد الداعمة

عن التحديات التي يواجهها معلم الرياضيات خلال التفكير النقدي بمادة الرياضيات قالت هبة حوراني: إن وقت الحصة الدراسية أحياناً لا يكون كافياً لتحقيق التوازن بين المنهج الدراسي ودمج أنشطة التفكير النقدي، إضافة إلى اختلاف قدرات ومهارات الطلبة، وما يتطلبه الأمر من تكييف استراتيجيات التفكير النقدي لاستيعاب أنماط وقدرات التعلم المختلفة داخل فصل دراسي متنوع، من حيث القدرات والمهارات، ومحدودية الموارد حيث إنه ليس من السهل الوصول للموارد والمواد المناسبة لدعم أنشطة التفكير النقدي في منهج الرياضيات.

وأشارت، إلى فئة من أولياء الأمور، ممن يشكلون أحياناً عقبة أمام المعلم، حيث إن بعضهم لا يدرك مدى ضرورة الاعتماد على الأساليب غير التقليدية التي تسهم في تطوير الفكر بشكل عام، وهو ما يتطلب توعية أولياء الأمور بالآثار الإيجابية لأساليب التعليم الحديث الرامية إلى توسيع أفق الطالب علمياً وفكرياً ومعرفياً.

من التلقين إلى التخطيط

أكد محمد جاسم، منسق مادة تربية إسلامية، أن الإسلام دعا للتفكر والتأمل، كما يأخذ التفكير دوراً جوهرياً في حياة الإنسان، فقد كرم الله الإنسان بالعديد من النعم أهمها العقل، فهو مصدر مهم للعلم والمعرفة والنظر والدراسة، وهو كذلك طريقنا إلى الحياة الناجحة، ولذا كان لازماً الانتقال من مجرد التلقين إلى التخطيط وفق إستراتيجية التفكير الناقد، حيث إن تطوير مهارة التفكير الناقد لدى المتعلمين مهمة أساسية وهدف رئيسي للمعلم الماهر.

وأضاف، إن تحقيق هذه المهارة لدى المتعلمين تزيد من ثقتهم بأنفسهم وقدراتهم والاعتزاز بأفكارهم ويكونون قادرين على خوض مجالات التنافس في هذا العصر المتسارع والذي يرتبط فيه النجاح بمدى القدرة على التفكير الجيد والمهارة فيه، حيث إن التفكير الناقد هو تفكير تأملي هادف، يستعين بقواعد المنطق والاستدلال والاحتمالات لتقييم أمر معين أو الوصول إلى حل مشكلة ما، وهو ما نحتاجه لمواجهة مواقف الحياة المختلفة وصون النفس عن الوقوع في الأخطاء.

وأشار، إلى أهمية التفكير الناقد في تدريب الطالب على البحث والاستقصاء والتعلم الذاتي والابتعاد عن التعصب والتشدد واكتساب القدرة على الحوار والتواصل مع الآخرين.

التشجيع والدعم مهم

ذكرت أميرة البنا، مسؤولة قسم العلوم بمدرسة الاتحاد الوطنية الخاصة بالعين، عادة ما يتبادر إلى الذهن عند قراءة مصطلح «التفكير الناقد»، بأنه مرتبط فقط بالمواد العلمية، إلا أنه يشمل جميع المناهج الدراسية بالتساوي، كونه أسلوب حياة تفكيري يهدف لتقييم المعطيات وتوقع النتائج المترتبة والقيام بالمبادرة أو التجربة ثم تحليل النتائج.

وأشارت، إلى أنه إذا تم تدريب الطالب على هذه المنهجية بشكل تطبيقي وعملي في المناهج الدراسية، سيتمكن في المستقبل من تقييم تجاربه الحياتية وتحسين مستوى الأداء في مختلف مجالات الحياة الاجتماعية والعلمية والعملية وغيرها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/4re86nc2

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"