عادي
تكاليف مشاريع «الريادة والمعسكرات» أرهقت الأسر

مدارس خاصة تحصّل فاتورة الأنشطة اللاصفية من جيوب الوالدين

00:26 صباحا
قراءة 6 دقائق

تحقيق: محمد إبراهيم
لا يختلف اثنان على أهمية الأنشطة اللّاصفية للطلبة في مختلف مراحل التعليم، إذ تعد أحد الاتجاهات الفاعلة التي تجدد طاقات الطلبة، وتنمي مهاراتهم ومداركهم وفكرهم وقدراتهم العلمية. ولكن عندما تشكل تلك الأنشطة أعباء متجددة على ميزانيات الأسر، وتدخل الوالدين من آن إلى آخر في «إرباك مالي»، إذ إن بعض المدارس الخاصة تحصّل فاتورة الأنشطة اللّاصفية من جيوب الوالدين، فالأمر يتطلب وقفة لإعادة النظر وإيجاد طرائق جديدة في توظيف تلك التكليفات لصالح المتعلمين.

في وقت أثارت «مشاريع ريادة الأعمال والمعسكرات والرحلات» في مدارس خاصة، جدلاً واسعاً في مجتمع أولياء الأمور، إذ أكد عدد من الآباء أنها سبب أساسي في زيادة النفقات، ما يضر بميزانيات الأسر خصوصاً تلك التي لديها أكثر من طالب في مراحل التعليم المختلفة، لذا طالبوا بتدخّل عاجل لوقف أعباء النفقات وتخفيف الأحمال عن الوالدين، مع ضرورة إيجاد رقابة فاعلة للإشراف على تلك الأنشطة وكلفتها قبل تطبيقها.

وفي المقابل شكلت تلك الأنشطة ضرورة ملحّة من وجهة نظر عدد من التربويين والمعلمين، لأنها ترتقي بمهارات الطلبة، وترتبط ارتباطاً وثيقاً بالمعارف والعلوم محل الدراسة، فضلاً عن تجسيدها لمختلف مناحي الحياة وربطها بواقع التعليم.

الجهات القائمة على التعليم شددت على إدارات المدارس، بعدم المبالغة في كلف الأنشطة اللّاصفية، أو تكليف الطلبة تنفيذ أي مشاريع خارج المدرسة، أو تحميل ولي الأمر كلفاً تثقل كاهله، ولكن لا تزال التكليفات فعّالة والمشاريع قائمة، لترهق الطلبة وتستنفد طاقات أولياء أمورهم.

«الخليج» تناقش مع الميدان التربوي بمختلف فئاته إشكالية «مشاريع ريادة الأعمال الطلابية والمعسكرات والرحلات»، وكيف تشكل أعباء وتوثر سلباً في ميزانيات الأسر، وأهم التصورات لتخفيف العبء عن الطلبة وأولياء الأمور.

جوانب متفرقة

البداية كانت مع رصد «الخليج» لجوانب متفرقة في مجتمع التعليم الخاص؛ إذ تبين وجود تفاوت بين المدارس في التعاطي مع الأنشطة اللّاصفية لاسيما «مشاريع ريادة الأعمال الطلابية، والمعسكرات، والرحلات»، إذ ترى بعض المدارس أنها تشكل أحد الجوانب التطبيقية في العملية التعليمية ولا يجوز إهمالها، كما أنها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالعملية التعليمية، وفي المقابل يرى بعضهم الآخر أنها ليست إلزامية، وتنعقد على مراحل مختلفة على مدار العام الدراسي بالتشاور مع أولياء الأمور، وبشكل لا يثقل كاهل الوالدين.

وأظهرت عملية الرصد تنامي تكليفات المدارس للطلبة في مشاريع ريادة الأعمال، التي تكلف من 500 - 2000 درهم. كما أن هناك طفرة في المعسكرات الخارجية التي قد تصل رسومها إلى 1000 درهم، يقابلها تفاوت في رسوم الرحلات بحسب المكان المستهدف والغرض منه.

أعباء كبيرة

في لقائنا مع عدد من أولياء الأمور، أكد سامح محمد، وميثاء حمدان، وعلياء آل علي، وسمية علوان، وعبدالله خاطر، أن الأنشطة اللّاصفية التي تفرضها مدارس أبنائهم من حين إلى آخر، تشكل أعباء كبيرة لا سيما على الأسر التي لديها أكثر من طالب في مختلف مراحل التعليم، فضلاً عن أن مشاريع الريادة المكلف بها الطلبة مثل «التاجر أو المستثمر الصغير»، «مكلفة للغاية» حتى وإن كان الطالب عضواً ضمن فريق من زملائه. موضحين أن المشاريع العلمية ينفذها أولياء الأمور ولا ينتفع منها الطلبة معرفياً أو مهارياً، وما تدّعيه بعض إدارات المدارس من أنها تنمي مهارات الطلبة يعد عارياً عن الصحة.

وقال آخرون هم: إيهاب معلول، وحمدة حسين، وسلطان عبدالله، إن المعسكرات الخارجية «تقليعة» جديدة، تتزايد في الآونة الأخيرة، وهي مكلفة جداً، حيث يسهم الطالب في شراء خيام المعسكر وإعدادها، فالأمر هنا خرج عن نطاق التعليم ليدخل إلى جانب ترفيهي يرهق ميزانيات الأسر. موضحين أن المعسكرات ترافقها رحلات متتالية أسبوعياً ولكل رحلة كلفة تختلف رسومها عن غيرها.

تفاقم الإشكالية

وأوضحوا أن الإشكالية كبيرة وتتفاقم عاماً تلو آخر، وتقابل زيادة الكلف والمشاريع والمعسكرات والرحلات، زيادة في النفقات التي باتت مصدر إزعاج لكثير من الأسر، لا سيما أن الأبناء غير منتفعين بها، والوالدان دائماً ما يواجهان أعباء إضافية إلى جانب واجباتهما الأساسية، لذا ينبغي إعادة التفكير في تلك الأنشطة اللّاصفية وفاعليتها وتأثيرها في الطلبة.

وأوضحوا أن بعض المشروعات المطلوبة تتطلب مهارات لا يمتلكها الطلبة في صفوف الحلقة الأولى والثانية، كما يواجه طلبة المرحلة الثانوية أيضاً تحديات كثيرة في بعض المشاريع ويرون المعسكرات رحلة ترفيهية لا علاقة لها بالدراسة؛ وهناك عائق آخر نراه في الكلفة المرتفعة لتلك الأنشطة التي يتحملها ولي الأمر خارج نطاق الدراسة، لا سيما تلك التي تتعلق بالمعسكرات والمشاريع، ما يرفع سقف نفقات الأسر على تعليم أبنائهم.

«الخليج» تواجه المدارس

جمعنا أوراقنا وطرحنا هذه الإشكالية على عدد من التربويين ومديري المدارس والمعلمين، فأكد إبراهيم. ص، وغسان.م، وسماح. ش، ومي. ع، ونضال. س، أن الاستماع إلى شرح الدروس والعلوم من دون ممارسة عملية، يشكّل عائقاً في ترسيخ المعارف في أذهان الطلبة. وهنا تكمن أهمية ممارسة الأنشطة المرتبطة بالمادة، لا سيما في المواد العلمية التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالجوانب التطبيقية.

وأفادوا بأنه قبل إنجاز أي مشروع، يشرح المعلم للطلبة الأساسيات التي يحتاج إليها عند التنفيذ والطريقة الصحيحة والهدف منه، لكن الأهل دائماً يبادرون لمساعدة أبنائهم، من دون إدراك لقدرات الطلبة على تنفيذ هذه المشروعات بمفردهم. موضحين أن دور الوالدين في هذا الجانب ينطوي على الإشراف والمتابعة فقط، من دون التطوع لتنفيذ تكليفات أبنائهم بأنفسهم، ليمنحوهم فرصة تطبيق ما اكتسبوه من علوم ومهارات.

تنمية المهارات

الهدف من هذه الأنشطة بناء شخصية الطالب وتنمية مهاراته، ودعمه وتحفيزه، هذا ما أكده فريق آخر من التربويين في مدارس خاصة (فضلوا عدم ذكر أسمائهم)، موضحين أن الأنشطة التعليمية تسهم في تدريب الطالب على كيفية البحث عن المعلومة والوصول إليها، وتوظيفها بالشكل الصحيح، ما ينمّي لديه مهارات البحث والاستقصاء وجمع المعلومات، فضلاً عن تربية المتعلمين على الاختيار، وتحديد مشروع شخصي يسهم في تنمية القدرة على التحليل والتركيب والملاحظة والاستنتاج، والتقويم والمشاركة والتفاعل مع المحيط.

وأضافوا أن التعلم التطبيقي يعدّ مساراً فاعلاً يحوّل المنهاج إلى نواتج تعليمية مفيدة؛ إذ يقدّم أنشطة وأمثلة واقعية يتفاعل معها المتعلمون، ويتسنّى للطالب طرح أفكاره وتبادلها مع الآخرين، ليصبح بعد الانتهاء من المشروع أكثر فهماً وإدراكاً للمحتوى.

عدم إدراك

طرحنا الإشكالية على الخبيرة التربوية آمنة المازمي، التي ترى أن هناك خلطاً وعدم إدراك لدى بعض المعلمين في مدارس خاصة لمفاهيم المناهج المطورة، على الرغم من الحقائب التدريبية التي يخضعون لها؛ إذ إن المطلوب من الطالب مشروع واحد فقط لمادة واحدة يختارها، بما يناسب ميوله ورغباته وقدراته، أما مشاريع الريادة، فينبغي أن تكون في متناول قدرات أولياء الأمور المادية. مؤكدة ضرورة تنفيذ تلك المشروعات بشكل تعاوني في المدرسة، وتحت إشراف المدرسة والمعلم لمعالجة نقاط الضعف الموجودة لدى كل طالب، وتعزيز مصادر القوة والمهارات التي يتمتع بها المتعلمون وتختلف من طالب إلى آخر.

وأضافت أن المعسكرات الخارجية «اختيارية» ولكن الكلفة ترهق ميزانيات أولياء الأمور بلا شك، وإن كانت وسيلة تعليمية تساعد المعلم والمتعلم في العملية التعليمية، وهنا تتطلب إقامة هذه المعسكرات خططاً مدروسة وممنهجة مسبقاً، على أن تتناسب مع ممكنات الأسر، على أن تشمل الجوانب الإبداعية والابتكارية للمتعلمين، بشكل يثري شغفهم ويفتح لديهم مدارك الإبداع.

أهداف مفقودة

وأوضحت أن تدخل أولياء الأمور في إنجاز مشاريع أبنائهم العلمية، يفقدها الأهداف التي وجدت من أجلها، وهنا تأتي المشكلة؛ إذ إن الطالب يكلّفه معلمه، في حين أن ولي الأمر هو المنفذ الحقيقي للمشروع، من دون أي استفادة للطالب، ويبقى الوضع كما هو من دون تطوير في المهارات والمعارف المكتسبة لدى المتعلمين، وهنا تكمن أهمية الملاحظة والمتابعة وتنفيذ المشاريع الطلابية داخل المدرسة بجدولة زمنية تتيح لكل طالب، تنفيذ مشروعه بمهارة واحترافية.

مصادر التعلم

أكدت الخبيرة التربوية آمنة المازمي، ضرورة توظيف مصادر التعلم المطورة في جميع مناحي العملية التعليمية، بحيث لا يقتصر على الأنشطة المتكررة أسبوعياً وتشكل عبئاً على أولياء الأمور والطلبة. مشيرة إلى ضرورة تنفيذ هذه الأنشطة تحت مظلة الجهات القائمة على التعليم الخاص.

تدخل عاجل

طالب أولياء الأمور بضرورة التدخل العاجل من الجهات المعنية، لإقرار الأنشطة اللاصفية واعتمادها وتحديد الكلفة والرسوم، بحيث تناسب كل المستويات الطلابية مادياً ومعنوياً، مع قياس مدى أهميتها للطلبة وسبل الانتفاع منها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/mryuanzu

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"