عادي
«الشارقة التراثية» تروي قصة صعود الصقارة إلى اليونسكو

أكاديميون: التراث الإماراتي حاز مراكز مرموقة عالمياً

19:26 مساء
قراءة 5 دقائق

اتفق أكاديميون ومتخصصون على أن النهضة التراثية التي تشهدها إمارة الشارقة تسهم في تعزيز دور التراثي المحلي في استثمار الصلة مع الأجيال الجديدة لشق الطريق نحو البناء الحضاري بعد تنفيذ منظومة من الإجراءات التي تمثلت في إعادة إحياء التراث العمراني، ومساندة أصحاب الحرف الشعبية، والتواصل مع العالم لترسيخ مكانة التراث حتى حازت مراتب متقدمة ومرموقة عالمياً، إضافة إلى حكايات ترويها «الأيام»، منها قصة صعود الصقارة إلى اليونسكو.

جاء ذلك خلال جلسة «التراث الإماراتي صلة الوصل بين الأجيال» أقيمت على هامش فعاليات المقهى الثقافي للدورة 21 من أيام الشارقة التراثية التي تستمر إلى 3 مارس المقبل، وذلك بمشاركة د.عبدالعزيز المسلم، رئيس معهد الشارقة للتراث، ود.سالم الطنيجي، أستاذ الدراسات الإماراتية بكليات التقنية العليا بالشارقة، ود.سلطان العميمي، رئيس اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات، حيث أدار الجلسة د.مني بو نعامة، مدير إدارة المحتوى والنشر في المعهد، بحضور عدد من المتخصصين والمهتمين بشؤون التراث المحلي والعالمي وضيوف الأيام.

الصورة

وقال د.عبدالعزيز المسلم: «تحقيق الإنجازات التراثية في الإمارة ما كان ليتم لولا الدعم اللامحدود لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الذي يوجه باستمرار على أهمية منح التراث ما يستحق من اهتمام بالنظر لدوره المؤثر في التواصل بين الأجيال، باعتباره عاملاً مهماً من عوامل الفخر بالهوية، وتعزيز قيم الانتماء والولاء».

الصورة

وأضاف في إجابة عن سؤال حول التحديات التي تحول من دون التواصل بين الجيل الجديد والتراث قائلاً: «هناك الكثير من حسابات مواقع التواصل الاجتماعي التي تقدم محتوى تراثياً، لكن تناولها له لا يزال لا يرتقي لمستوى الطموح، الإشكالية في جيل اليوم أنه يقرأ بسرعة ويريد أن يفهم بسرعة وهو جيل انتقائي لا يركز على المعارف ‏ولا يتواصل مع الكتاب، فقد اعتادوا على التلخيص والاختصار، وإذا أردنا تواصلاً مثمراً بينهما فلابد من جهود مشتركة ‏لا تقتصر على جهد واحد، ونحن متفائلون بقدرة الجيل على تجاوز التحديات، وهناك صور مشرقة في هذا المجال».

الصورة

‏وحول الدور المنوط بالمؤسسات العلمية والتراثية الذي يجب أن تلعبه لتعزيز التواصل بين الأجيال والتراث، قال د.المسلم: «من بين تلك المؤسسات معهد الشارقة للتراث الذي يقوم بدوره منذ افتتاحه، فقد اعتمد على ثلاث ركائز أساسية تمثلت في تشجيع أصحاب الحرف والمهن التراثية، وإحياء المناطق التراثية، وتكريس موضوع التدريب والتوعية والتأهيل، وفتح المجال أمام الباحثين تقديم إصدارات نموذجية ومتميزة، وبالاتفاق مع جامعة الإمارات تم إنشاء أول دبلوم للتراث ‏وكان من شأن هذه الخطوة وغيرها تعزيز رصانة المؤلفات المتعلقة بالتراث الإماراتي والتقليل من الكتابات والأبحاث غير المحلية التي تضم أو تحتوي الكثير من المحتويات الخاطئة والمشوشة».

الصورة

‏وافتتح د.سالم الطنيجي، حديثه عن التحديات التي تحول دون التواصل بين الأجيال الجديدة والتراث ذكر من بينها: تنوع الثقافات في مجتمع الإمارات، والتحولات الاقتصادية والاجتماعية السريعة والواسعة، والتأثير الثقافي الغربي، واختلاف وجهات النظر حول القيم بين الأجيال، وتحديات التواصل الاجتماعي، لكنه أبدى تفاؤلاً في قدرة الجيل الجديد على التواصل مع التراث من خلال استبيان أجراه على 300 طالب وطالبة، ‏توصل خلاله إلى عدد من الحلول الناجحة للتغلب على التحديات، منها دمج التراث في المناهج الدراسية، وإقامة الورش الإبداعية والتوعوية، وإقامة متاحف تفاعلية، وعدم ربط التراث بالنخبة فقط باعتباره ملكاً لجميع الأجيال، وعاملاً من عوامل الفخر بالآباء والأجداد.

الصورة

‏وأشار د.سلطان العميمي إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي نوافذ مهمة لنقل مكونات الثقافة الشعبية، ومنها الشعر النبطي وقد أسهمت بشكل محدود في زيادة التعامل معه، لكنها لم تنقل بعمق وتبحر من التراث الشعري، مؤكداً أن هناك حسابات خاصة وكثيرة تتعلق به، غير أن السهولة في النقل والنشر من دون رقابة أثار عدداً من التحديات في صحة ودقة المنقولات، ونسبتها إلى قائليها، داعياً المؤسسات المعنية بالتراث أن تمارس دورها في الحد من ذلك، لأن النخب الشعرية والثقافية لا تستطيع التفرغ بشكل تام للرد على وسائل التواصل الاجتماعي نتيجة لعدم وجود الوقت الكافي ولوجود الكثير من الانشغالات البحثية والأكاديمية.

وشهدت الجلسة العديد من ملاحظات ومداخلات وأسئلة من الحاضرين الخاصة حول الطرق التي تحد من تجاوز الجيل على التراث، وكيفية توجيهه الوجهة الصحيحة من خلال إجابات المتحدثين المستندة إلى الخبرة والعمل الطويل في هذا المجال، وهو ما أكد أن التراث يستطيع تجاوز المشكلات، وقادر على اجتذاب وتواصل الجيل الجديد، لأنه متجذر وعميق في النفوس ولديه حراس أمناء.

إلى ذلك، تحكي «الأيام» جانباً من علاقة الإنسان مع المخلوقات المحيطة به، حاز إعجاب المعنيين بتراث وثقافات الشعوب، انتقل إلى العالمية، وتم تسجيله ضمن قوائم اليونسكو للتراث البشري الثقافي غير المادي، وصار حكاية تتناقلها الأجيال على المستوى العالمي، وفي الدولة كانت للصقور والصقارة حكاية تستحق أن تروى لرواد أيام الشارقة التراثية.

ومارس هذه المهنة البدو في صحراء الدولة والمناطق المحيطة بها، للصيد من أجل تأمين الطعام في بيئة شحيحة الموارد، إلا أن دور الصقارة في المجتمع قد تغير مع تغير طبيعة الحياة، فأصبحت تربية الصقور رياضة قائمة على التنافس والمتعة لا على أساس الصيد والطعام، وقد حظيت الصقور بالكثير والمثير من القصص والحكايات بين الأجيال، وهو عند الجميع صغاراً وكباراً من الطيور المحببة.

وتحول الصقر إلى مثار فخر بين الشعوب التي اختارته الكثير منها رمزاً للبلاد، ومنها شعار الدولة، فهو عندها رمز للاعتزاز بالماضي، والقوة والوحدة في الحاضر، والعزة في المستقبل، ويبدو الصقر في شعار الدولة متيقّظاً ومتأهباً وراسخاً، تحيط به النجوم السبع التي تمثّل الإمارات السبع، ملتفة حول علم دولة الإمارات العربية المتحدة، ومرتبطة ببعضها ببعض في حلقة متماسكة.

وقد وضعت للعرض أمام الجمهور مستلزمات أساسية لابد أن توجد عند الصقارة، للتعريف بها بصورة واضحة، ومنها: الوكر، وهو ما يحط عليه الصقر للراحة أو الاستقرار، على أعلى قاعدته الدائرية التي ترتفع قليلاً عن الأرض ما يشبه أعشاب الأرض لتعطي الصقر شيئاً من الطمأنينة والاستقرار، وهناك الدس، وهو كف جلدي يلبسه الصقارة لتحط عليه الصقور فيحمي أيديهم من مخالبه الحادة.

وهناك البرقع، وهو قطعة جلدية توضع على رأسه لتغطية عينيه، وله مقاصد عديدة، منها التدريب والترويض، ومنها إشعاره بالطمأنينة، وهو ليس غطاء عادياً، وإنما لابد من مراعاة حجمه، فلا يكون ضيقاً ليؤذيه، ولا واسعاً ينكشف عن عينيه فيؤذي نفسه ومن حوله، وهناك التلواح، وهو مجسم مصنوع على هيئة طير لتدريب الصقور على الصيد، ويكون على شكل أجنحة طيور الحبارى، وتربط بحبل كي يتم التلويح بها في الهواء مما يجذب انتباه الصقر للانقضاض على الفريسة.

وتمتد علاقة الإنسان العربي والإماراتي بالصقور إلى آلاف السنين، وبينهما روابط وثيقة، لا سيما في بيئة قاسية لم تكن تعرف بعد الرخاء الاقتصادي، والازدهار السياحي، فقد كان الصقر هو حليف الإنسان، يأنس بقربه، ويستعين به على صيده، ويمرح معه في جده ولهوه، وينقل ذلك عبر أجياله في وفاء لم ينقطع إلى اليوم، وقد تم تخليد هذا الوفاء بأن وضع على قائمة اليونسكو.

يذكر أن الإمارات نجحت منذ عام 2010 وحتى 2023، في تسجيل 15 عنصراً على قوائم «اليونسكو» للتراث الثقافي غير المادي للبشرية، وقد شملت الملفات المسجلة العناصر الآتية: الصقارة، سباق الهجن، العيّالة، الرزفة، المجالس العربيّة، التغرودة، السدو، العازي، التلي، حداء الإبل، القهوة العربية، النخلة، الأفلاج، الخط العربي، الهريس.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/65ubaxzc

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"