جبل بيانات زوكربيرغ

21:41 مساء
قراءة 4 دقائق

بارمي أولسون *

بالنسبة لملايين الأشخاص، عندما تقول «إنترنت» فهذا يعني إلى حد كبير «فيسبوك»، التطبيق الذي تزداد أعداد مستخدميه يومياً، ويساهم بأفضل النتائج المالية للشركة. وفي ضوء ذلك، لم يكتف الرئيس التنفيذي مارك زوكربيرغ بالاحتفال بهذا النمو المستمر، بل يريد البناء عليه أيضاً واستخدام بيانات منصة التواصل الاجتماعي، إضافة إلى «إنستغرام»، لإنشاء ذكاء اصطناعي قوي للأغراض العامة.

يبدو الأمر مواتياً تماماً بالنسبة لميتا، الشركة الأم، للمضي قدماً بطموحاتها. ولكن ربما يكون المقابل مليارات المستخدمين، من خلال التعدي على خصوصيتهم واستباحة بياناتهم.

مؤخراً، كشف زوكربيرغ عن خطوته التالية في مجال الذكاء الاصطناعي بالقول: «الجزء الرئيسي التالي من قواعد اللعبة لدينا هو التعلم من البيانات الفريدة ومخرجات الخدمة أو ردود الأفعال من منتجاتنا». مضيفاً أن هناك مئات المليارات من الصور ومقاطع الفيديو والمنشورات النصية العامة التي تمت مشاركتها على «فيسبوك» و«إنستغرام» عبر السنين، ونقدّر أنها أكبر من أرشيف «كومون كراول».

في الواقع، أثار هذا التعليق حفيظة المراقبين في الصحافة التقنية، وخصوصاً نقطة «كومون كراول» أو «الزحف العام»، التي أشار إليها زوكربيرغ، لأن هذا الأرشيف ضخم بالفعل، ويضم نحو 250 مليار صفحة ويب مخزنة في السحابة على مدى 17 عاماً، وهو اليوم واحد من أكبر وأشهر مستودعات الإنترنت العامة المستخدمة على نطاق واسع لمجموعة متنوعة من الأغراض، بما في ذلك تدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي. ويكفي القول إنه عندما أطلقت «أوبن أيه آي» روبوت الدردشة الخاص بها «تشات جي بي تي» عام 2020، استوردت نحو 60% من النصوص المستخدمة لتدريبه من هذا المخزون.

لقد أظهرت الأبحاث أن تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي على المزيد من البيانات يعزز قدرتها ودقتها، وقد حققت هذه الصيغة العجب العُجاب مع شركة «أوبن أيه آي»، التي ضاعفت مع مرور الوقت كمية البيانات المستخدمة لإنشاء نماذج تدعم أداء روبوتها المذهل. ولو أراد زوكربيرغ تصميم نظام دردشة أكثر قوة فسيكون لجبل بيانات ميتا الضخم الذي يجلس عليه دور كبير في تدريب ما يسمى وكلاء الدردشة، وتمكين الشركة من بناء ذكاء اصطناعي «أكثر ذكاءً».

ينتقد كثيرون الملياردير الشاب عندما يتحدث عن طموح جديد، سواء في مجال الروبوتات أو العملات المشفرة أو الميتافيرس. لكن رؤيته الخيالية الأخيرة، والمتمثلة في بناء أنظمة ذكاء عام وبرمجيات تضاهي أو تفوق الذكاء البشري، عظيمة بشكل خاص. ومع كل هذه البيانات، تبدو الرؤية قابلة للتنفيذ، والمشكلة الوحيدة ربما في تداعيات ذلك علينا لاحقاً نحن المستخدمين.

والغريب في الأمر أنه في نفس الرسالة التي قال فيها زوكربيرغ إن فريقه للذكاء الاصطناعي كان يعمل على بناء أنظمة الذكاء العام لأكثر من عقد من الزمن، لفت بأن فيسبوك يستعين الآن ببيانات مستخدمي التطبيق لبناء نماذج وصفها ب«الجزء الرئيسي التالي من قواعد اللعبة».

فلمَ لم تفعل ميتا ذلك من قبل؟ ربما لأن استخدام كل هذه البيانات ليس بالأمر السهل، ويمثل انتهاكاً لخصوصية 4.5 مليار مستخدم عبر «فيسبوك» و«إنستغرام». وهذا لا يثير أسئلة أخلاقية شائكة فحسب، بل يفرض قيوداً صارمة من الهيئات التنظيمية وامتثالاً لقوانين حماية البيانات العالمية. وبنفس الطريقة التي تعرّضت بها شركة «أوبن أيه آي» للانتقادات لاستخدامها بيانات محمية بحقوق الطبع والنشر الخاصة بفنانين وكتّاب لتدريب نماذجها، تواجه شركة فيسبوك ردود فعل سلبية أيضاً بسبب استغلالها بيانات الأشخاص مرة أخرى.

والمسألة الأخرى هي في التحيز والسمية المدسوسة في تلك البيانات عبر مليارات الصفحات، وقد كان على «أوبن أيه آي» بحث هذه المشكلة مع أرشيف «كومون كراول». فوفقاً لدراسة أجرتها جامعة مونتريال عام 2021، تتضمن 4% إلى 6% من جميع مواقع الويب في صفحات الأرشيف العام إهانات عنصرية، أو خطابات كراهية، أو نظريات مؤامرة مشحونة.

ورغم أن قدرة برامج إدارة المحتوى على فيسبوك أصبحت أفضل في منع نشر مواد مسمومة كهذه إلا أنها ليست مثالية بما فيه الكفاية، وخصوصاً خارج الولايات المتحدة، حيث لا تتم مراجعتها كثيراً.

والأسوأ من ذلك، عندما قال زوكربيرغ إن بيانات ميتا أكبر من تلك الموجودة في مستودعات «كومون كراول» الرقمية، فمن المحتمل أنه كان يجمع الأرشيف التاريخي للشركة الذي يتضمن كل المحتوى المضلل والأخبار المزيفة التي كانت موجودة على الموقع قبل أن تبذل الشركة جهوداً جبارة لإزالتها. وإذ لم يتم معالجة البيانات والتحقق منها بعناية وعلى نحو جيد فإنه يعرّض نفسه لموجة من الانتقادات العامة حول كيفية تعامل فيسبوك مع المنشورات المسمومة.

ومع ذلك، يتمتع الرئيس التنفيذي ل«ميتا» بهوس انتصارات وهيمنة أشبه بهوس قيصر، فبعد مرور نحو 24 ساعة فقط على استجوابه من قبل اللجنة القضائية بمجلس الشيوخ الأمريكي، واعتذاره للعائلات التي تعتقد أن تطبيقات ميتا أسهمت في إيذاء أطفالها، أفصح الأخير عن أحد أقوى الأرباع المالية لشركته حتى الآن، موضحاً في الوقت نفسه كيف سيستعين ببيانات المستخدمين لإنشاء أدوات ذكاء اصطناعي قوية.

* كاتبة تغطي التكنولوجيا «تايبيه تايمز».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4wppxpt8

عن الكاتب

كاتبة تغطي التكنولوجيا

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"