عادي

عالم يلتهم السلاح.. وملايين يأكلهم الجوع

00:42 صباحا
قراءة 4 دقائق
أحد منومات الدفاع لدى حلف الأطلسي

كتب: المحرر السياسي

صار العالم اليوم شحيحاً في بذل المساعدات الإنسانية، يموت فيه الملايين جوعاً ويتشرد أكثر من ثلث سكانه نتيجة صراعات يغذيها عناد لا طائل تحته، بينما تبدد ثرواته على سباق تسلح لا ينتهي في بيئة يعشش فيها القلق والخوف من المجهول.

تكشف البيانات والتقارير الرسمية، عن برامج تسلح في الأرض والفضاء، تستنزف ميزانيات الدول العظمى التي يعول عليها في مواجهة ومعالجة الكوارث التي تحيق بكوكب الأرض. فقد ارتفع الإنفاق الدفاعي العالمي بنسبة 9% ليصل إلى مستوى قياسي بلغ 2.2 تريليون دولار خلال عام 2023، مدفوعاً بالتوترات الجيوسياسية المتزايدة، وفقاً لتقييم سنوي أجراه المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، الذي صدر بعنوان «التوازن العسكري»، وهو الإصدار السنوي الخامس والستون، وتوقع زيادات قياسية هذا العام مع استمرار الحرب في أوكرانيا للعام الثالث، وانتشار حالة عدم اليقين الدولية.

وتتصدر الولايات المتحدة كالمعتاد قائمة الدول كأكبر منفق عسكري على مستوى العالم بميزانية بلغت 905.5 مليار دولار في عام 2023، أي أكثر مما تنفقه الدول ال 15 التالية مجتمعة، بما في ذلك الصين التي جاءت في المركز الثاني ب 219.5 مليار دولار وروسيا، التي تحتل المركز الثالث.

ولكن في حين أدت الحرب في أوكرانيا إلى إرهاق صناعة الدفاع الأمريكية، لا يزال الإنفاق يمثل 3.36% من الناتج المحلي الإجمالي، أي أقل مما كان عليه في فترات سابقة.

وتحتل بريطانيا المرتبة الخامسة عالمياً، رغم المخاوف الأخيرة بشأن قدرة جيشها على خوض حرب كبرى، متقدمة على ألمانيا في المركز السابع وفرنسا في المركز الثامن. وقد زاد إنفاق أعضاء الناتو من الدول الأوروبية بنسبة 32%مقارنة مع إنفاقهم عام 2014، على الرغم من أن 10 منهم فقط أنفقوا أكثر من 2% من الناتج المحلي الإجمالي، وفقاً لبيانات الحلف.

إنفاق عسكري متزايد

وفي حديثه للصحفيين في لندن، قال المدير العام للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، باستيان جيجريش، إن العوامل المتعددة تمثل «صورة لعدم الاستقرار الاستراتيجي وعصراً جديداً من القوى المتنازعة». وأشار إلى عدد من العوامل التي عززت ميل الدول لزيادة إنفاقها العسكري مثل الحرب المستمرة في أوكرانيا، والتحديث العسكري في الصين، والصراعات في الشرق الأوسط، والانقلابات العسكرية في إفريقيا.

كما سلط تقرير المعهد الضوء على التدمير الشديد الذي تحدثه الحرب. وفي أوكرانيا، تشير تقديرات المعهد إلى أن روسيا فقدت ما يقرب من 3000 دبابة قتال رئيسية منذ فبراير/شباط 2022. وتجاوزت هذه الخسائر إجمالي الدبابات الموجودة في مخزون روسيا النشط قبل الحرب، ما أجبرها على سحب المركبات القديمة من المخازن.

وفي الوقت نفسه، ارتفع الإنفاق الدفاعي للدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي إلى نحو 50% من الإجمالي العالمي، وهي نسبة مذهلة بالنسبة لتحالف عسكري تمثل دوله الأعضاء أقل من ثمن سكان العالم.

وتتزامن التقديرات الجديدة لتزايد الميزانيات العسكرية العالمية مع تصريحات متكررة للرئيس السابق دونالد ترامب حول مستويات الإنفاق الدفاعي لحلفاء الولايات المتحدة. وقال في أحد التجمعات الانتخابية في عطلة نهاية الأسبوع إنه سيشجع روسيا على أن تفعل «ما تريده» لأعضاء الناتو الذين لم يحققوا هدف الحلف المتمثل في إنفاق 2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع.

وفي حين أن الولايات المتحدة لا تزال تمثل الجزء الأكبر من الإنفاق الدفاعي لحلف الناتو، فقد وجد المعهد أن الأعضاء غير الأمريكيين زادوا بشكل جماعي إنفاقهم العسكري بنسبة 32% خلال العقد الذي أعقب ضم روسيا شبه جزيرة القرم في عام 2014، وأن النسبة الأعلى من نمو الإنفاق سجل في العامين الماضيين.

وفي العام الماضي، حققت عشر دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي الهدف المعلن المتمثل في إنفاق 2% من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع، ارتفاعاً من ثمانية في العام السابق. ووجد المعهد أن جميع أعضاء الناتو الأوروبيين حققوا المعيار المتمثل في تخصيص 20% من إنفاقهم للمعدات.

وحذر التقرير من أن التضخم والاضطراب الاقتصادي أدى إلى إضعاف تأثير بعض الزيادات في الإنفاق الدفاعي، في حين أدى ارتفاع الطلب إلى حقيقة مفادها بأن إنتاج الأسلحة الأوروبية لم يكن موجهاً لزمن الحرب.

وفي حين أن الغرب ينفق المزيد على الميزانيات العسكرية، فإن روسيا والصين تفعلان الشيء نفسه. ومع انخفاض التكاليف والمشاركة الحكومية الكبيرة في صناعة الدفاع، غالباً ما يبدو أنهم يحصلون على المزيد مقابل أموالهم.

وأفاد التقرير بأن إجمالي الإنفاق العسكري الروسي ارتفع بنحو 30% في العام الماضي مع استمرار الحرب في أوكرانيا، وتشير التقديرات إلى أن الكرملين ينفق الآن ما يقرب من 7.5% من ناتجه المحلي الإجمالي على المؤسسة العسكرية. وقد أصلحت موسكو صناعتها الدفاعية بشكل كبير في ضوء متطلبات الحرب التي لا يلوح لها حل في الأفق.

ويقدر إجمالي الإنفاق العسكري لروسيا بنحو 108 مليارات دولار في عام 2023، أي أكثر من ثلاثة أضعاف إنفاق أوكرانيا (31 مليار دولار). ومع ذلك تمكنت أوكرانيا في كثير من الأحيان من استبدال المعدات المفقودة بنظيرات أفضل يوفرها الغرب.

من جانبها، زادت الصين إنفاقها الدفاعي للعام التاسع والعشرين على التوالي، على الرغم من أن النمو الاقتصادي الأقل من المتوقع ساعد على ضمان بقاء حصة الإنفاق العسكري في الناتج المحلي الإجمالي أقل من 2%.

وأشار المعهد إلى أن بكين تنفذ برنامج تحديث عسكرياً يهدف إلى إنشاء جيش «من الطراز العالمي» يقلص اعتماده على التكنولوجيا الأجنبية بحلول منتصف القرن.

وحفزت طموحات الصين الإنفاق العسكري لدى دول الجوار حيث أعلنت تايوان عن أكبر ميزانية عسكرية لها بقيمة 19 مليار دولار - أو نحو 2.6% من الناتج المحلي الإجمالي. وقد زادت كل من اليابان وكوريا الجنوبية إنفاقهما العسكري مع تصاعد تهديدات كوريا الشمالية.

وأخيراً لا تلوح في الأفق مؤشرات على تراجع الإنفاق الدفاعي عالمياً في غياب التعاون والتنسيق بين القوى القادرة على الفعل لجهة كبح شهية النزاعات.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/54rms6m4

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"