ميزان السعادة

02:04 صباحا
قراءة دقيقتين

في هذا العصر المادي، أصبح معظم الناس يعتقدون أن السعادة تأتي من أشياء خارجية؛ مثل المال، والعلاقات المهنية، والنجاح بشكل عام. بينما ما يزال الحكماء منذ فجر التاريخ حتى اللحظة يصرخون منادين من أسفل وادٍ سحيق علّ أذناً تصغي السمع، بأن السعادة لا تأتي من الخارج بل تنبع من داخل الإنسان.

وما بين صراع محتدم بين فريق يؤيد وجهة النظر الأولى مستنداً إلى الواقع، وفريق آخر يوافق وجهة النظر الثانية اعتماداً على رؤية واقعية مماثلة؛ لا بد أن يقرر كل منا الطريق الذي يريد أن يسلكه، وينشد الحقيقة بدلاً من الأحلام الوردية وتصديق القيل والقال.

الواقع هو أن كلا الطرفين مصيب ومخطئ في الوقت ذاته. جرب أن تكون سعيداً من دون أن تأكل أو تشرب شيئاً لأيام طويلة، ثم أخبرنا عن مدى سعادتك. أو جرب أن تضع نفسك داخل ثلاجة درجة حرارتها تحت الصفر لدقائق معدودات، وتحاول أن تكون سعيداً خلال تلك المدة! جرب أن تعمل ليل نهار دون أن تتمكن من تأمين لقمة العيش لأطفالك الصغار وزوجتك، أو أن تشعر بالسعادة وأنت تعمل موظفاً في شركة لساعات طويلة مقابل أجر زهيد، ومن دون أي مراعاة لحقك في الراحة وتحقيق دخل يؤمّن لك عيشة كريمة على أقل تقدير! وفي الوقت ذاته هناك آلاف النماذج منذ القدم حتى يومنا هذا، لرواد نجاح وأصحاب مناصب رفيعة وأبناء ثروات فلكية لديهم كل شيء تقريباً، إلا أنهم قضوا حياتهم في تعاسة وشقاء.

يكفينا مثالية زائدة بالحديث المتواصل عن كون السعادة تنبع من الداخل فحسب، وكأنها دعوة للمحتاج الذي لا يجد كسرة خبز يسد بها جوعه، أو دخلاً يقي به أسرته من العيش تحت سقف مهمّش وجدران تبكي فقر حالهم، أن يبتسم وقلبه يتقطّع حزناً! أو واقعية مفرطة تصور السعادة في النجاح أو الثراء أو غير ذلك من أسباب خارجية، أثبت الواقع أنها لا تكفي.

إن السعادة الحقيقية التي لم نسمع عنها حتى اليوم ربما، هي السعادة التي يتحقق من خلالها التوازن بين الداخل والخارج، بين العالم الخارجي المادي والعالم الداخلي اللامادي، فلا تقشّف زائد وعزوف مطلق عن الدنيا، ولا عبودية للأشياء وجشع لا ينتهي.

تلك هي السعادة التي تناسب كل زمان ومكان. فالفرحة بذرة لا تنمو إلا في أرض خصبة تنبض الحياة في داخلها، وتُسقى بماء عذب من الخارج، لتحصل البذرة على البيئة الداخلية الملائمة والجو الخارجي المناسب اللذين يضمنان أن تشق طريقها باتجاه النور.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/s46usmzp

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"