وحدة الفصائل الفلسطينية ضرورة

00:25 صباحا
قراءة 4 دقائق

عاطف الغمري

إذا كان عدم اندماج المنظمات الفلسطينية معاً في تجمع موحد، يعتبر نوعاً من التشرذم الذي لا بد أن تستغله دولة الاحتلال الإسرائيلية لصالحها، فإننا اليوم وبعد حرب الإبادة في غزة، والاستمرار في بناء 3500 وحدة استيطانية في الضفة الغربية والقدس، فإن توحد القوى الوطنية الفلسطينية، كان لازماً أن يوجه أنظارها نحو التجارب الناجحة لمن سبقوها من التي كانت أرضها خاضعة للاحتلال خاصة في إفريقيا وآسيا.

ثم إن الواقع الفلسطيني يتعرض لأخطار تفوق ما تعرضت له حركات التحرر الوطني في دول أخرى، والتي كانت تناضل ضد قوى استعمارية هدفها الأساسي استنزاف ثروات هذه البلاد. أما المحتل الإسرائيلي فهو يريد فناءك، وهو ما صرح به قادة إسرائيل وحكامها ومراكز للبحوث السياسية تكررت على ألسنتهم تعبيرات العمل على فناء الفلسطينيين، والتي عبروا عنها بنفس منطوق الكلمة والمترجمة إلى الإنجليزية، بالكلمتين Flatten Gaza وExterminate Palestinians، والتي اتفق العالم على أن يطلق عليها الإبادة الجماعية، التي تستهدف الفلسطينيين في غزة، أو القدس الشرقية، أو الضفة الغربية.

ويجب ألّا يتصور أيّ من قيادات المجموعات الوطنية الفلسطينية أن الرأي العام الفلسطيني سيظل يفكر بنفس الطرق التي كانت تحكم مواقفه قبل أن يتعرض لأقسى وأعنف تجربة تدميرية لحياته، واستهدافه بالقتل والتشرد في أرضه، وهي تجربة لم يتعرض لفظاعتها أي شعب من أصحاب الأراضي المحتلة من قبل، وهذا واقع يحتاج إلى رؤية استراتيجية جديدة وموحدة، لأن ما هو قادم لابد أن يختلف بالضرورة عما فات.

هنا أطرح تجربة مررت بها متابعاً للكيفية التي استطاعت بها حركة التحرر في فيتنام إنزال هزيمة عسكرية بالولايات المتحدة، اضطرتها في النهاية للدخول معها في المفاوضات في أول السبعينات، وانتهت بتحرر فيتنام وانسحاب القوات الأمريكية منها.

كان ذلك في منتصف الستينات عندما أتيحت لي الفرصة بعد ثلاث سنوات من بدء عملي الصحفي للسفر ضمن وفد صحفي ممن هم أكثر مني خبرة وعمراً، للسفر إلى فيتنام، وقت أن كانت تدكّها يومياً غارات الطائرات الأمريكية، وقبل فيتنام كنت أتعرف من قراءاتي إلى تجربة تقترب إلى حد ما منها، تتمثل في بدء حركة التحرر الوطني الجزائرية مقاومتها للاحتلال الفرنسي، والتي تكوّنت بناء على شرط أساسي ملزم لكل من ينضم إليها، وهو ضرورة إنهاء ارتباطاته العقائدية أو توجهاته السياسية مع أي فكر أو تنظيم حتى يصبح جزءاً من حركة التحرر الوطني في الجزائر، بالإضافة إلى تردّدي في فترة التدريب على العمل بالصحافة، على مكاتب ممثلي حركات التحرر الإفريقية بمقرها في الزمالك.

أعود إلى فيتنام عندما تكونت جبهة التحرر الوطني «الفيتكونغ» في فيتنام الجنوبية، وكان الشرط الأساسي لعضويتها، أن يلقي الجميع بارتباطاتهم وهوياتهم السابقة خارج باب هذا التنظيم، قبل أن تطأ أقدامه ساحة نضالها. ولهذا ضمّت تلك الجبهة نوعيات من رجال الدين، ومن الشيوعيين، وكل من كان له انتماء عقائدي أو سياسي آخر.

وفي أثناء وجودنا في فيتنام تعدّدت لقاءاتنا مع قادتها ومنهم رئيس الوزراء فام فان دونغ، ومع وزير الدفاع الجنرال جياب، الذي ذاعت شهرته في العالم حين كان قبل ذلك قائداً لقوات المقاومة التي أسقطت قلعة ديان بيان فو، التي كانت من أهم أركان الإمبراطورية الفرنسية في الهند الصينية، قبل تقسيمها إلى دول – لاوس، وكمبوديا، وفيتنام.

الجنرال جياب وحكومته التزموا بموقف لا خروج عنه مهما كانت الأسباب أو الضغوط، من شأنه إبعاد بلادهم عن أي تأثير من دولة أخرى حتى لو كانت تمدهم بالمساعدات العسكرية، ففي سنوات الحرب الأمريكية على فيتنام، احتاج الفيتناميون لما يزوّدهم به كل من الاتحاد السوفييتي والصين من مساعدات عسكرية، رغم ضآلة حجمها ونوعياتها بالمقارنة بالترسانة العسكرية الأمريكية في فيتنام.

على ضوء ذلك كله يكون النظر إلى ما هو قادم في تجربة المنظمات الفلسطينية، فالمواجهة في الفترة القادمة ستكون مختلفة عما فات، خاصة بعد أن كشفت إسرائيل عن أطماع أبعد مدى من مجرد احتلال الأرض، وأمامنا خريطة نتنياهو التي أمسكها في يده وهو يلقي خطابه الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، معلناً أنها تضم جميع الأراضي المحتلة، وليس بها أي ذكر لغزة أو الضفة الغربية أو القدس، ثم سرّب مسؤولون إسرائيليون معلومات مضافة إلى خريطة نتنياهو، لتشمل سوريا ولبنان وجزءاً من العراق.

ثم إن الرأي العام الإسرائيلي يزداد تطرفاً وعداءً للحق الفلسطيني، وهو ما أظهره الاستطلاع الذي أوضح أن 63% يعارضون قيام دولة فلسطينية حتى ولو كانت منزوعة السلاح.

ولما كانت هناك توقعات لخبراء ودارسين للشأن الفلسطيني، عن احتمالات لظهور توجهات للشباب الفلسطيني في فترة قادمة، لن يكونوا بالضرورة ضمن التنظيمات القائمة حالياً، فإن من الخطأ أن يتصوّر تنظيم ما أنه ينفرد وحده بالقرار؛ لأن ساحة المواجهة القادمة ستكون مختلفة، والعدو كذلك سيكون مختلفاً، ليس من ناحية أهدافه وسياساته، بل من حيث تجرؤه على إظهار نواياه الحقيقية صراحة، والتي كان يغلفها من قبل بادعاءات دبلوماسية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3h4jujdj

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"